انتهزت منظمة الصحة العالمية، يوم السبت الماضي، مناسبة حلول الذكرى السنوية لليوم العالمي للسرطان (World Cancer Day)، التي تحل كل عام في الرابع من شهر فبراير، لإصدار توصيات تهدف إلى زيادة فرص النجاة للمصابين بالأمراض السرطانية، وذلك من خلال تأكيد ضرورة تركيز نظم الرعاية الصحية على الإجراءات والتدابير التي تحقق التشخيص والعلاج المبكرين. وتأتي هذه التوصيات في أعقاب صدور إحصاءات وبيانات عن المنظمة الدولية تظهر أن قرابة التسعة ملايين شخص يلقون حتفهم سنوياً بسبب الأمراض السرطانية، غالبيتهم في الدول الفقيرة والنامية، وهو ما يُردّ جزء كبير منه إلى التأخر في التشخيص. وحتى في الدول التي تتمتع بنظام رعاية صحي مثالي يتم تشخيص العديد من حالات الإصابة بالسرطان في مراحل متقدمة من المرض، مما يجعل نجاح العلاج في تحقيق الشفاء أمراً صعباً. فمن الثابت والمؤكد أن التشخيص المبكر للأمراض السرطانية، يلعب دوراً كبيراً في زيادة احتمالات الشفاء والنجاة، وهي الحقيقة التي تظهرها وتؤكدها الدراسات العلمية والتقديرات الصحية في دول العالم المختلفة. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، يصاب مليون وأربعمائة ألف شخص بالسرطان سنوياً، يلقى أكثر من نصف مليون منهم حتفهم في النهاية. ولكن الدراسات تلو الأخرى، تظهر جميعها أن الكشف المبكر من خلال الفحوص الطبية المسحية، يمكنه أن يخفض من تلك الوفيات بنسبة تتراوح ما بين 3 في المئة إلى 35 في المئة. ولكن هذه الفحوص الطبية المسحية ما زالت أيضاً تواجه مشكلات علمية وفنية، تعيقها عن أن تصبح ممارسة يومية عادية، وتمنعها من أن تكون أكثر فاعلية في اكتشاف الأمراض السرطانية في مراحلها المبكرة. ويؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير الذي حمل عنوان «دليل التشخيص المبكر للأمراض السرطانية»، أن جميع دول العالم، الغنية منها والفقيرة، يمكنها أن تحسن وأن ترفع من قدرة نظم الرعاية الصحية فيها على تشخيص السرطان مبكراً، من خلال ثلاث خطوات بسيطة، هي، أولاً: زيادة وعي عامة الناس بالأعراض الأولية للأمراض السرطانية المختلفة، وتشجيعهم على طلب المشورة والمساعدة الطبية في حالة ظهور أي من تلك الأعراض. ثانياً: زيادة الاستثمار في دعم وتجهيز الخدمات الصحية، وفي تدريب وتأهيل أفراد الطاقم الطبي، حتى يتمكنوا من الوصول إلى التشخيص السليم، وفي أسرع وقت ممكن. ثالثاً: التأكد من توفر علاج فعال وآمن للمصابين حالياً بمرض السرطان، بما في ذلك مسكنات الآلام، ودون تحميلهم أعباءً مالية باهظة، أو تعريضهم للمشقة والمعاناة. ومما لا شك فيه أن تنفيذ هذه التوصيات يشكل تحدياً أكبر في الدول النامية والفقيرة، التي تعيقها قدراتها المالية عن توفير أفضل سبل العلاج، ناهيك عن سبل التشخيص من الأساس، مثل التحاليل المعملية والفحوصات الإشعاعية المتخصصة. والمفارقة على الصعيد المالي، أن تشخيص الأمراض السرطانية مبكراً، يخفف من وقعها وعبئها المالي، ليس فقط على صعيد تكلفة العلاج التي تصبح أقل بكثير في المراحل الأولى من المرض، وإنما أيضاً على صعيد إمكانية استمرار المصابين بالمرض في العمل، والحصول على دخل يمكنهم من توفير سبل العيش لباقي أفراد أسرتهم، هذا إذا ما اكتشف مرضهم مبكراً وقبل تدهور حالتهم الصحية بدرجة تعيقهم عن الإنتاج. وتشير التقديرات إلى أن الأمراض السرطانية تكلف الاقتصاد العالمي حوالي 1.6 تريليون دولار سنوياً، في شكل نفقات علاج ورعاية صحية، بالإضافة إلى تكلفة فاقد الإنتاجية الاقتصادية للأفراد المصابين بالسرطان. وإن كانت وفاة قرابة التسعة ملايين شخص سنوياً حالياً، ينبغي ألا تقلل من شأن التطورات والاختراقات الهائلة التي شهدتها العقود الأخيرة، على صعيد علاج بعض أنواع الأمراض السرطانية. وهو ما يتجسد في حقيقة أنه قبل ثلاثين عاماً فقط، كانت فرصة البقاء على قيد الحياة بعد عشر سنوات من تشخيص الإصابة بالسرطان، لا تزيد نسبة من تتاح لهم على واحد من كل أربعة، حيث كان يلقى ثلاثة أرباع المصابين حتفهم قبل مرور عقد كامل على تشخيص إصابتهم. وحالياً، ارتفعت هذه النسبة إلى واحد من كل اثنين. وهو ما يعني أنه قبل ثلاثة عقود كانت احتمالات الوفاة- خلال عشر سنوات بسبب الإصابة بالسرطان- تصل إلى 75 في المئة، لتصبح هذه النسبة 50 في المئة فقط حالياً. وإن كان هذا النجاح أيضاً غير موزع بالتساوي بين أنواع الأمراض السرطانية المختلفة، ففي الوقت الذي تحققت فيه اختراقات هائلة وارتفاع ملحوظ في نسبة النجاة، من سرطان الثدي، وسرطان الخصيتين، لم يتحقق أي تقدم يذكر على صعيد احتمالات النجاة من سرطان الرئة، أو من سرطان البنكرياس.