إن الأمر الذي أصدره الرئيس ترامب بمنع مواطني سبع دول ذات أغلبية سكانية من المسلمين، من دخول الولايات المتحدة، لم يصل بعد إلى مستوى «الإغلاق التام للحدود» في وجه المسلمين، الذي هدد به في شهر ديسمبر من عام 2015، ولكنه أيضاً قد ينطوي على ما يكفي لاستثارة مشاعر القلق العميق. وحتى بعد أن زال الغموض عن المشهد الذي ساد خلال الأيام الأولى التي أعقب توقيع القرار، وعلى رغم صدور قرار باستثناء حاملي «البطاقة الخضراء» وكل من قدم المساعدة لجنود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من تنفيذه، إلا أن هذا الإجراء أيضاً أظهر الولايات المتحدة وكأنها بلد يرتعد خوفاً من التهديدات الإرهابية! وفي عالم يبحث فيه ملايين الناس عن ملاذ آمن يلجؤون إليه هرباً من الحروب والسياسات القمعية لبعض الأنظمة، يأتي الآن قرار ترامب بتعليق قبول اللاجئين لمدة 120 يوماً حتى بالنسبة لأولئك الذين حصلوا على موافقة مسبقة، ليفاجئ الجميع. وقد تم تخفيض عدد اللاجئين الذين سيتم استقبالهم من 110 آلاف في ميزانية عام 2017، إلى 50 ألفاً فقط. أما الخوض في الحديث عما إذا كانت هذه السياسة غير دستورية أو غير قانونية، فهو موضوع آخر ليس من السهل البتّ فيه الآن. وتكمن المشكلة الأساسية التي تواجه الولايات الأميركية المختلفة، والمناهضين لقرار ترامب الذين قرروا إحالة القضية على المحكمة الفيدرالية، في أن الرئيس يتمتع بسلطة قوية جداً فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بالهجرة. ووفقاً لقانون ريجان لعام 1980، يمكن للرئيس وحده أن يحدد عدد اللاجئين الذين ستتكفل الولايات المتحدة بإعادة توطينهم على أراضيها كل عام. وهذا ما مكّن الرئيس السابق باراك أوباما من رفع عددهم من 85 ألفاً للسنة المالية 2016، إلى 110 آلاف في عام 2017. ويستند قرار ترامب إلى حكم قانوني يتجاوز ما نص عليه قانون ريجان ويسمح للرئيس برفض أو تعليق العمل بتأشيرات الدخول «لكل شخص أو مجموعة بشرية» يمكن أن ينطوي قبول لجوئها على «الإضرار بمصالح الولايات المتحدة». ومن الناحية التاريخية، كثيراً ما شهدت المحاكم الأميركية المختصة جدلاً حاداً حول حق الرئيس في ممارسة هذه السلطة بسبب صعوبة الحكم على القضايا ذات التأثير على السياسة الخارجية والأمن الوطني. على أن الدعوى الدستورية التي يتم الإعداد لرفعها ضد قرار ترامب لا تنكر عليه أيضاً سلطته الموسعة في تطبيق القانون. بل إن الأمر يتعلق باحتمال سوء استخدامه لتلك السلطة، وخاصة فيما يتعلق بانتهاكه للبند المتعلق بالحرية الدينيّة في «التعديل الأول»، عندما وضع المعايير التي تعبر عدم رغبة في المسلمين وتفضيل المسيحيين، من دون الإشارة إلى أي ارتباط حقيقي بين هذا التفضيل وهدف الحفاظ على الأمن الوطني المنصوص عليه في القانون. كما أن بعض التصريحات السلبية التي أطلقها ترامب ضد المسلمين يمكنها أن تقوّض مزاعمه بأنه سيؤدي عمله في البيت الأبيض بطريقة عقلانية من أجل تحقيق المصالح الوطنية. ومن المؤكد أننا سنرى محامي الإدارة الجديدة وهم يحاولون الدفاع عن أطروحات رئيسهم، أو إعادة تفسيرها بالطريقة التي ستسهل عليهم الأمور لو تعرضوا لاستجواب قاسٍ بشأنها في الكونجرس. وقد قالها ترامب بكل وضوح، في عدة تصريحات، بأنه يميل إلى مساعدة المسيحيين الذين لم يلقوا من الإدارة السابقة غير اللامبالاة. كما أن نص القرار الذي أصدره ترامب يوعز أيضاً للمكاتب البيروقراطية المتخصصة في الهجرة بتفضيل طلبات اللاجئين في المستقبل لأولئك الذين ينتمون للأقليات الدينية، بحيث يكون المقصود بهم مسيحيو الشرق الأوسط من دون ذكر ذلك بوضوح. إلا أن هذا الغموض سيترك باب اللجوء إلى أميركا مفتوحاً أمام أقليات دينية مختلفة مثل الإيزيديين والبهائيين وغيرهم. ولاشك في أن الأجهزة التنفيذية ستواجه الكثير من المشاكل في أثناء سعيها للفصل المعقد بين مفهومي «الأكثرية» و«الأقلية» الدينية. ويسود المحاكم المتخصصة بالنظر في هذه الأمور قلق كبير من أن تخوض في جدل لا نهاية له عند مناقشة هذه التصنيفات. وكان المشرعون الأميركيون خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد أشاروا إلى أن من واجب رؤساء الولايات المتحدة، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن يستفيدوا من الدروس المستقاة من تاريخ ما قبل الحرب، ومنها الحاجة الماسة للإبقاء على العلاقات التجارية والتعاون الأمني الجماعي بين الدول، إلى جانب الأهمية الكبرى للحفاظ على القيم الإنسانية. ويندرج كل ذلك ضمن ما أصبح يعرف بالقوة الناعمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وإذا كانت الحماية القضائية التي يطالب بها المدعون العامون ضد القرار التنفيذي الذي اتخذه ترامب فيما يتعلق بالهجرة لا سابق لها، فذلك لأن الانتهاكات القانونية التي تنطوي عليها طريقة تطبيق القرار لا يمكن تصوّرها أو القبول بها أيضاً. تشارلز لين: محلل أميركي متخصص في الاقتصاد والسياسة المالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»