بين الحملة الفاجعة في فرنسا.. وشعبية ترامب الواسعة في روسيا «لوموند» تعليقاً على الاتهامات والفضائح المالية التي تطارد بعض مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية هذا العام، نشرت «لوموند»، أول من أمس (الجمعة)، افتتاحية بعنوان: «قضيتا فيون، لوبن: حملة رئاسية مشوّهة»، قالت في بدايتها إن الانتخابات الرئاسية في فرنسا هي عادةً الاستحقاق السياسي والانتخابي الوحيد الذي يستقطب اهتمام أكبر عدد ممكن من المواطنين. أما بقية الاستحقاقات الانتخابية الأخرى -التشريعية، والمحلية، وأيضاً الأوروبية- فقد زادت خلال قرابة العشرين سنة الأخيرة نسبة امتناع الفرنسيين عن التصويت فيها، وعدم اهتمامهم بها، بشكل متنامٍ ولافت، إلى حدٍّ كبير. وهذا تعبير واضح عن تراجع ثقة الناخبين الفرنسيين في كثير من المسؤولين السياسيين، أو بعبارة أخرى في الطبقة السياسية، بصفة عامة. وفي مقابل هذا العزوف ظلت الانتخابات الرئاسية تشكل استثناءً، حيث يحرص عادةً أربعة من كل خمسة فرنسيين على المشاركة فيها، وذلك لقناعة مترسخة لديهم بأن مصيرهم، ومصير بلادهم، يتقرر في هذا الاستحقاق السياسي الكبير، الذي يتكرر مرة كل خمس سنوات. وبوضع هذا الاعتبار الآن في الحسبان، تقول «لوموند»، تبدو الحملة الانتخابية الحالية حملة فاجعة. فخلال أيام فقط، وجد السجال الديمقراطي نفسه مشلولاً، وفي حالة كسوف، بل مختنِقاً، بفعل الاتهامات الموجهة إلى فرانسوا فيون مرشح حزب «الجمهوريين». ومن حق فيون طبعاً الاحتجاج على الشتائم وصور التحامل والاستهداف الموجهة ضده، والرد على عنف الهجمات، غير المسبوقة، عليه، والتنديد بما يصفه هو بأنه محاولة «انقلاب دستوري» تروم النيل منه، إلا أن الحقيقة أيضاً للأسف تبدو أكثر ابتذالاً من ذلك بكثير. ففيون، الذي قدم نفسه، خصوصاً عندما كان يريد أخذ مسافة أمان من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، باعتباره «مرشح النزاهة»، وبأنه «فوق الشبهات»، بات كل شيء يشير الآن إلى أنه لم يكن كذلك بالفعل. فالطريقة التي حصلت بها زوجته بينلوب، وابناه، على الأموال العامة محل السؤال والسجال الآن، والتي لم ينكر هو نفسه حجم مبلغها في أي لحظة، ومع عدم قدرته إلى اليوم على تقديم برهان على عمل واقعي كان يؤديه أفراد أسرته، كل ذلك لم يفعل سوى تأجيج الشكوك ودواعي الاشتباه في أن الأمر متعلق بوظائف وهمية معوَّضة، وفق نوع من عدم الوضوح في صرف الأموال العامة على الأنشطة البرلمانية. هذا على الرغم من استمرار فيون في التأكيد أن المسألة لم تشبها أبداً أي ممارسة غير قانونية. وفي المجمل، تقول الصحيفة «فستقول العدالة كلمتها في هذه القضية. ولكن هنالك أيضاً استخلاصات يمكن الخروج بها منها، لجهة ما أثارته من روائح محسوبية، وإساءة استغلال للحظوة والسلطة. ويبقى السؤال عما إن كان فيون سيضطر في النهاية إلى رفع الراية البيضاء، أم أن (أصدقاءه) في الحزب سيرغمونه على ذلك، وهو خيار قد يبدو في لحظة ما مطروحاً». وفي وقت ربما كان البعض يعتقد فيه أن ما سمِّي فضيحة «بينلوب غيت»، التي عصفت بحملة فيون، وهو مرشح اليسار التقليدي الذي كانت استطلاعات الرأي تقدمه باعتبار فوزه في الرئاسيات أمراً شبه محتوم، سيكون في مصلحة منافسته اليمينية الأبرز، مارين لوبن، رئيسة حزب «الجبهة الوطنية»، فاجأتها الحملة هي أيضاً بخبر آخر غير سار، تمثل في صدور مطالبة من البرلمان الأوروبي لها بإعادة 300 ألف يورو، صُرفت كمرتبات على مديرة مكتبها في باريس، التي سجلتها كمساعدة لها في بروكسل، وهو ما لم يقع أصلاً، ما يعني أن الأموال الأوروبية صُرفت على وظيفة وهمية. وعلى الرغم من نفي لوبن بحدّة لهذه الاتهامات، ورفضها بشدة رد الأموال، فإن البرلمان الأوروبي لم يغير موقفه، وهدد بخصم هذا المبالغ، شهرياً، من مرتبات لوبن. وليست هذه هي الفضيحة الوحيدة، فهنالك أيضاً اتهامات أخرى ضد حزب لوبن منظورة أمام القضاء الفرنسي، وهي متعلقة بشرعية تمويل الحملات، وبعضها موجه ضد نواب من «الجبهة الوطنية». وفي الأخير قالت «لوموند» إن هذه الحملة الرئاسية المشوهة قد كشفت عن جوانب مظلمة من ممارسات الطبقة السياسية، وأجواء الأنانية وروح الإفلات من العقاب التي يتحرك فيها بعض رموزها، والتي تشكل الحملات الرئاسية عادةً فرصة للكشف عن جوانب منها، وعندما يقع ذلك فلا يلومنّ المرشحون إلا أنفسهم، حتى لو كان الأوان قد فات، وحين لا ينفع الندم. «ليبراسيون» في صحيفة «ليبراسيون» كتب زكي العيدي، مستشار رئيس الوزراء ومرشح التمهيديات السابق مانويل فالس، مقالاً تحليلياً مطولاً تحت عنوان: «اليسار: الخط الأحمر للتوافق» تحدث فيه عن برنامج مرشح الحزب الاشتراكي «بنوا هامون»، الذي فاز يوم الأحد الماضي على فالس، وانتزع ترشيح الحزب الحاكم. ومنذ البداية يقول الكاتب إن برنامج هامون السياسي إن كان يصلح كبرنامج لنيل الترشيح على مستوى حزب، فإنه لا يكفي وحده لقيادة دولة كفرنسا، هذا فضلاً عن كون هذا المرشح أيضاً ذا سوابق حزبية حين وقف أحياناً خارج اصطفافات حزبه. وهذا يعني أن على المرشح الاشتراكي الآن التفكير في تقديم برنامج أكثر قدرة على الإقناع خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً في ملفين مهمين للغاية بالنسبة إلى الفرنسيين اليوم هما ملفّا العمل والعلمانية. وخلص الكاتب إلى أن ثمة مهمة أخرى عاجلة أيضاً تنتظر هامون هي التركيز على إعادة تجميع صفوف الحزب بعد الجفوة الحاصلة بين أجنحته وقياداته على خلفية حملة الترشيح التمهيدية، وقبلها كذلك الحصيلة غير المشجعة للحكومة الاشتراكية خلال السنوات الخمس الماضية، هذا فضلاً عن ضرورة الرهان على إعادة توحيد صفوف اليسار الفرنسي في مفهومه العريض بما في ذلك التيار الأيكولوجي المسؤول، الذي يمثله بعض أحزاب الخضر. وعلى العموم فما زال في انتظار هامون الكثير من الجهد للعودة بالحزب الاشتراكي إلى السباق الانتخابي الرئاسي، الذي ظلت استطلاعات الرأي تعطيه فيه نتائج محبطة، قد لا تتجاوز الشوط الأول، خصوصاً أنه في مقدور مرشح الاشتراكيين الآن الاستفادة من الفضائح المالية التي تعصف بمرشحَيْ اليمين الأبرز فرانسوا فيون عن «الجمهوريين»، ومارين لوبن عن «الجبهة الوطنية». «لوفيغارو» نشرت صحيفة «لوفيغارو» مادة تحت عنوان: «في روسيا، ترامب يغطي على بوتين» كتبها مراسلها في موسكو، وقد تحدث فيها عما أشّرت إليه نتائج استطلاعات رأي أُجريت مؤخراً في روسيا، من أن مستوى حضور الرئيس الأميركي الجديد في تغطيات وسائل الإعلام الروسية بات متوفقاً حتى على ما يحظى به الرئيس الروسي نفسه، الذي تسجل شعبيته في صفوف مواطنيه ارتفاعاً كبيراً، في الآونة الأخيرة. وحسب «منظومة تحليل الأخبار» التي تنجزها وكالة «إنترفاكس» الروسية، فقد ورد اسم ترامب 202000 مرة في وسائل الإعلام الروسية خلال شهر يناير المنقضي، مقابل 147700 مرة لاسم سيد الكرملين. وفي الترتيب الثالث حل أوباما الذي ورد اسمه في وسائل الإعلام الروسية 61155 مرة. وهذه سابقة، فحتى الوقت الراهن لم يسبق لاسم أي شخص أن تقدم على اسم بوتين وروداً في وسائل الإعلام الروسية، سوى مرة واحدة حين تقدم عليه رئيس الوزراء الحالي ديميتري ميدفيدف، خلال فترة رئاسته للدولة من 2007 إلى 2012. وحسب مقياس «ميديالوجيا» الروسي الذي يقارن البعد الكمي والكيفي للمنشورات الصحفية، سواء أكانت مواد خبرية أم صوراً للساسة، فقد تفوق ترامب على بوتين بوضوح من حيث قوة الحضور في الإعلام الروسي. واعتبرت الصحيفة أن المؤشرات المستخلصة من هذا التقدم لترامب في وسائل الإعلام الروسية تشير إلى وجود «متلازمة رغبة في تغيير النخب»، وهو ما تعززه بتصريح لفاليري راشكين، النائب الشيوعي، أدلى به للصحيفة الاقتصادية اليومية الروسية «فيدوموستي»، وقال فيه إن الوقت قد حان أيضاً لكي يجهّز بوتين حقائبه. إعداد: حسن ولد المختار