الطيور أقدم من الإنسان بكثير في هذا الوجود، كما يؤكد علماء الطبيعة. وإذا صح أنها منحدرة من سلالة الديناصورات التي سادت الأرض، ثم بادت قبل ظهور الإنسان بخمسين مليون عام، عرفنا مكانة الطير وعراقة أصله وكرم مَحْتِدِه! عندما تفكر بالبجع مثلاً، تفكر بدول كثيرة في شمال وغرب أوروبا أو روسيا أو اليابان وغيرها.. إلا أن «الجمعية الكويتية لحماية البيئة» أعلنت أنها رصدت سرباً مكوناً من نحو ستين بجعة بيضاء كبيرة في 9 سبتمبر الحالي، وهي تستجم في محمية شمالي مدينة الكويت! إن طيور البجع البيضاء، يقول عضو فريق رصد وحماية الطيور في الجمعية عبدالعزيز اليوسف، «نادراً ما تصل بهذه الأعداد دفعة واحدة للبلاد، وتمثل مشهداً جميلاً غير مسبوق». غير أن اليوسف يضيف أن نحو مائة من أجداد الطيور توقفت عام 1922 في الكويت ورُصدت، حيث إن تلك الطيور تعبر أجواء الكويت في كل خريف خلال رحلتها من الشمال إلى الجنوب، والتي «تسمى الهجرة الكبيرة لضمها الجوارح والنسور». «القبس: 20 - 09 - 2016». الكويتيون للأسف شعب غير مضياف إطلاقاً في التعامل مع الطيور المهاجرة. وتقول الكاتبة «حوراء الوائلي» في الصحيفة نفسها، إن الكويت بمثابة ممر لآلاف الطيور المهاجرة في موسمي الربيع والخريف». وهما موسمان منتظران لبعض مهووسي الصيد الذين يستخدمون أساليب وأدوات مختلفة لحصد تتجاوز الآلاف من الطيور المهاجرة، وبما يفوق حاجته، ومن دون مراعاة لندرة بعضها. ويبدو أن قانون حماية البيئة لم ينجح في الحد من ظاهرة الصد الجائر للطيور في ظل تعثر إجراءات الجهات المعنية وغياب اللوائح التي تنظم عملية الصيد. ولكن القوانين وحدها مهما استرشدت بلوائح تشريعات حمورابي، وبشهادة تجارب عربية لا تحصى، لا تكاد تحمي البشر في دول كثيرة اليوم، وعلى رأسها سوريا والعراق وليبيا، فكيف ستردع جرائم إبادة الطير؟ فكأن طيور العالم العربي كذلك كبشره، تشهد ملاحقات ومذابح، دون مراعاة لندرة بعض الضحايا اليومية للإرهاب، وكل إنسان بالطبع غال ونادر في الشعوب الحية، وحتى في بلداننا تجد بين الضحايا دائماً المدرس والمهندس، والطبيب والفنان، والأب المضحي والأم المتفانية، والكثيرين ممن صرفت عليه الدولة والأهل من الشباب والخريجين، مئات ألوف الدولارات كي يتخرج في مجال ما، ثم تتطاير أشلاؤه، فيما هو العالم مسترخ في مقهى، أو متجولاً في بعض الأسواق، أو مقدماً العزاء في مجلس، فيلحق بمن رحل. ندد عضو فريق رصد وحماية الطيور في الجمعية الكويتية «عبدالمحسن السريع» بعمليات الصيد الجائر، وقال شارحاً إن حصيلة الصيد «في بعض المناطق المجاورة»، تقدر بنحو ثلاثة ملايين طائر خلال الشهر، في إشارة ربما إلى ما تلاقيه الطيور في دول أخرى مجاورة للكويت، وبخاصة بعد أن لجأ البعض إلى كل حيلة في صيدها كما الأسماك في البحر. فالصيادون مثلاً، أضاف «السريع»، «يستخدمون آلات وأساليب مختلفة لجذب أكبر عدد من الطيور إلى الشباك، وأبرزها استخدام مكبرات الصوت التي تبث أصوات الطائر الذكر أو أصواتاً تنبه أسراب الطيور للهبوط في تلك المنطقة حيث يضعون شباكهم». لا أحد يبالي من «الصيادين المهووسين» هؤلاء بالطيور النادرة، فالكثيرون في دول عديدة لا يكترثون بالبشر، فكيف سيقلق أحدهم لمصير الطيور؟ عضو فريق رصد وحماية الطيور أوضح «أن نحو 407 فصائل من الطيور تعبر الكويت سنوياً خلال مواسم الهجرة على فترتين، وبأعداد تقدر بـ 250 ألف طائر، وفق رصد المواسم الأخيرة». ومن أشهر هذه الطيور الحبارى القطا، الفري، الدحروج، والرقيعي، «فتستقر في المناطق الساحلية بالكويت وفي المحميات الطبيعية، حيث يتوافر الغذاء والماء والأمان»! ولكنه أمان زائف، وهدنة معرضة للاختراق والإلغاء في أي لحظة على يد الصيادين، ممن يطاردون ذوي الأجنحة جواً وبراً وعلى الأشجار وقرب الساحل. «الجمعية الكويتية لحماية البيئة»، تستغيث وتطالب بفرض رسوم مالية على الصيادين، والاشراف على عملية الصيد بواسطة «شرطة البيئة»، لحماية الطيور من الصيد الجائر والقنص الذي لا يفرق بين أنواع الطيور «الحلال صيدها ولحمها».. والمهددة بالانقراض! حماة البيئة في الكويت استخدموا كذلك شبكات التواصل الاجتماعي كشاهد على الانتهاكات البيئية والصيد الجائر. ففي خطوة خجولة، نشرت هيئة البيئة «فيديو» لإطلاقها مائة طائر حبارى في البرية، ليشهد «الانستغرام» بعد مدة وجيزة بصيد هذه الحبارى. طيور الكويت، يقول حماتها، أمام خمس تحديات: الصيد الجائر وعدم وجود مناطق محظورة وآمنة. والتوسع العمراني الأفقي الذي دمر موائل الطيور. وانتشار المخيمات الربيعية والدائمة التي أوجدت مناطق غير آمنة. وأنشطة الشركات النفطية التي سيطرت على مساحات شاسعة، والرعي الجائر الذي دمر الغطاء النباتي.. وبالتالي غذاء الطيور.