أكّدت الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى الهند- باعتباره «كبير الضيوف» في اليوم الوطني الهندي- أن الشراكة القوية التي كانت تسعى إليها الهند مع دول الخليج العربي منذ عام 2015 قد بلغت ذروتها. وكان رئيس وزراء الهند قد حرص على زيارة الدول الثلاث المهمة في الخليج العربي؛ الإمارات والسعودية وقطر، وسبق له أن استقبل ولي عهد أبوظبي مرتين خلال أقل من عام واحد، واستضاف أمير قطر قبل شهرين. ومن المنتظر أن تشهد الهند قريباً زيارات جديدة على أعلى مستوى لكبار أمراء وحكام أهم دول الخليج العربي. وربما لم تحظَ أي منطقة جغرافية في العالم بمثل هذا الاهتمام الذي توليه لها الهند. وما هذا الاهتمام بالخليج العربي إلا بمثابة التعبير الواضح عن عمق الروابط التاريخية بين الهند ودول المنطقة. وعن أن الشراكة والتعاون التاريخي بين الشعبين الهندي والخليجي والتي تمتد جذورها إلى 5000 عام، هي التي أدّت إلى تأطير وتفعيل القاعدة الثقافية المشتركة بينهما، وإلى رفع مستوى العلاقات بين طرفي المحيط الهندي. وتعتبر الإمارات والهند موطنين للاعتدال وحسن الضيافة، ويتميز مجتمعهما بالانفتاح والتحرر والترحيب بالتنوع الثقافي، وبالإيمان الراسخ بمبدأ التعايش والتسامح باعتباره هدفاً وطنياً. ثم جاء التهديد المشترك لهذه القيَم التعاونية التي يؤمن بها الطرفان من قوى التطرف والعنف، وهو ما مثّل دافعاً لهما لتأسيس جبهة قوية ضد الإرهاب من خلال تعزيز أواصر التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ العمليات المشتركة المضادة للإرهاب، وتبنّي أفضل التطبيقات العملية والتكنولوجيات المتقدمة من طرف الوكالات المتخصصة في البلدين لتحقيق هذه الغايات. وكانت زيارة رئيس وزراء الهند إلى الإمارات العربية المتحدة عام 2015 تهدف إلى التمهيد لإقامة علاقات اقتصادية جديدة تتناسب مع مقتضيات العصر، مثل التعاون في الحقول التكنولوجية الأكثر تطوراً بما فيها صناعة الاتصالات والطاقات المتجددة والفضاء والتبيّؤ الصحراوي والرعاية الصحية المتطورة والأمن الغذائي والتنمية المستدامة. وأعلنت الإمارات العربية المتحدة من جهتها عن إنشاء صندوق بمبلغ 75 مليار دولار للاستثمار في التنمية وتطوير البنى التحتية مثل الطرق المحلية والسريعة والموانئ في الهند. وتمثل الدولتان شريكين طبيعيين رائدين في العمل والتجارة. وفي وقت باتت تشكل فيه الهند قوة اقتصادية عالمية، اتجهت الإمارات نحو تنويع اقتصادها حتى أصبحت مركزاً عالمياً للتجارة والتواصل التجاري اللوجستي والسياحية وصناعة الخدمات المالية. وهي الآن شريك تجاري مهم للهند، فضلاً عن أنها المقصد الأكثر أهمية للصادرات الهندية. ويتم إعادة تصدير جزء مهم من الواردات الهندية إلى دولة الإمارات، إلى جنوب وغرب آسيا وأيضاً إلى شرق وجنوب أفريقيا. وكان الهدف الأساسي لزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الهند يتركز على توقيع «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، والتي من شأنها أن ترتقي بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى من الثقة المتبادلة، فضلاً عن التأسيس والتأطير لدور جديد يمكن أن تلعبه الهند في منطقة الخليج من خلال الشراكة الاستراتيجية القائمة بينها وبين دولة الإمارات. وبرغم التعاون الدفاعي القائم بين الدولتين على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، فإن المناورات العسكرية المشتركة والتدريب والتعاون بين القوات البحرية للبلدين أصبحت قائمة. ولقد قررت قيادتا البلدين تبني مشاريع التطوير المشترك للصناعات الدفاعية بهدف تخفيض الاعتماد على الدول الأخرى في هذا المجال الحيوي. وتتضمن تلك المشاريع التصنيع المشترك للأسلحة والمعدات الدفاعية وصناعة العربات المدرّعة لنقل الجنود والإنتاج المشترك لطائرة مقاتلة وتبادل الخبرات المتعلقة بالتكنولوجيات الدفاعية، والتي تُعدّ في مجملها أكبر دليل على المستويات العالية من الثقة القائمة بينهما. ولقد خلقت النزعة العدوانية لإيران في منطقة الخليج العربي وتدخلها في الصراعات الخطيرة الدائرة في سوريا والعراق واليمن، حالة من غياب الأمن والاستقرار في منطقة غرب آسيا كلها. وهذه هي الخلفية التي دفعت بالهند والإمارات العربية المتحدة لاتخاذ القرار المشترك بإقامة علاقة التعاون الاستراتيجي بينهما من أجل دحر تلك القوى الضالّة التي تتخذ من الدين ستاراً لممارسة العنف والوحشية، وأيضاً من أجل تحقيق الرخاء والاستقرار المستدام في المنطقة. *مدير مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي