الفقر قضية رئيسية في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي. وكثير من العرب والمسلمين يعيشون تحت خط الفقر. بل إن الملايين يموتون جوعاً في مالي وتشاد والصومال وإريتريا وجنوب السودان. تطعمهم الكنائس والمنظمات العالمية وهيئات الإغاثة الدولية. وفي الوقت نفسه قد تتراكم الثروات في مناطق أخرى، وتتضاعف عدة مرات. فأصبح في الأمة أفقر فقراء العالم وأغنى أغنياء العالم في آن واحد. ومن ثم يصعب الحديث عن «الاشتراكية في الإسلام» على الرغم من ذكر عشرات الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تنص على الاستخلاف بدلًا من الاستحواذ، والملكية العامة إلى جانب الملكية الخاصة، والشركة في الماء والكلأ والنار أي الزراعة والصناعة، أهم قطاعين للإنتاج، لأن التجارة والسياحة خدمات، والقطاع العام ممثلًا في المراعي العامة ملك الدولة وللجميع حق الانتفاع بها، والركاز وهي المعادن لا يجوز للأفراد امتلاكها بل تظل ملكاً للدولة. وقد تعرض القرآن الكريم لقضية الفقر في آيات عديدة في خمسة معانٍ: 1- ليس الفقر بالضرورة فضيلة بل قد يكون في بعض الأحيان رذيلة. وقد يؤدي إلى الرذائل والفحشاء مثل التسول والذل والسرقة والاحتيال من أجل إقامة أود العيش والحفاظ على الحياة، (الشَّيْطَانُ ?يَعِدُكُمُ ?الْفَقْرَ ?وَيَأْمُرُكُمْ ?بِالْفَحْشَاءِ). ?ومن ?ثم ?فبعض ?ما ?يقوله الزهاد ?القدامى في ?فضيلة ?الفقر ?وقيمة ?الفقر ?ومقام ?الفقر ?كله ?كان ?رد ?فعل ?على ?تيار ?البذخ ?والترف ?والغنى، في زمنهم. ?فهو ?نوع ?من ?المقاومة ?السلبية ?للغنى في ذلك الزمن القديم، ?دون ?دعوة ?إيجابية ?لإعادة ?توزيع ?الدخل ?بما ?يحقق ?العدالة ?الاجتماعية. ?وفي ?الأمثال ?العامية «?الفقر ?حشمة، ?والعز ?بهدلة»?. 2- ليس الفقر صفة الله كما تصور اليهود قديماً لأن الله غني، (لَقَدْ ?سَمِعَ ?اللَّهُ ?قَوْلَ ?الَّذِينَ ?قَالُوا ?إِنَّ ?اللَّهَ ?فَقِيرٌ ?وَنَحْنُ ?أَغْنِيَاءُ). ويرد ?القرآن الكريم ?على ?هذا ?التصور ?اليهودي ?بأن ?الله، سبحانه وتعالى، هو ?الغني ?وأنهم ?هم ?الفقراء، ?ويخاطب ?الناس ?جميعاً، (يَا ?أَيُّهَا ?النَّاسُ ?أَنْتُمُ ?الْفُقَرَاءُ ?إِلَى ?اللَّهِ ?وَاللَّهُ ?هُوَ ?الْغَنِيُّ ?الْحَمِيدُ). ?و?البخل ?والفقر ?من ?شيم ?الإنسان، (وَمَنْ ?يَبْخَلْ ?فَإِنَّمَا ?يَبْخَلُ ?عَنْ ?نَفْسِهِ ?وَاللَّهُ ?الْغَنِيُّ ?وَأَنْتُمُ ?الْفُقَرَاءُ). ?والإنسان ?فقير ?لما ?ينزله ?الله إليه ?من ?خير، ?(فَقَالَ ?رَبِّ ?إِنِّي ?لِمَا ?أَنْزَلْتَ ?إِلَيَّ ?مِنْ ?خَيْرٍ ?فَقِيرٌ). ?والكل ?فقير ?إلى ?الله، سبحانه وتعالى. 3- الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها أي المسؤولين عن استثمار أموال اليتامى، وفي الرقاب أي الأسرى، ‏(إِنَّمَا ?الصَّدَقَاتُ ?لِلْفُقَرَاءِ ?وَالْمَسَاكِينِ ?وَالْعَامِلِينَ ?عَلَيْهَا). ?الصدقات ?للفقراء ?الذين ?أحصروا ?في ?سبيل ?الله، ?ويتفرغون ?لدعوته ?ولا ?يأخذون ?أجراً. ??والصدقات ?للمهاجرين ?الذين ?أخرجوا ?من ?ديارهم، ?(لِلْفُقَرَاءِ ?الْمُهَاجِرِينَ ?الَّذِينَ ?أُخْرِجُوا ?مِنْ ?دِيَارِهِمْ ?وَأَمْوَالِهِمْ) ?مثل ?الفلسطينيين ?الذين ?أجبروا ?على ?ترك ?وطنهم ?ودورهم ?وأراضيهم ?وأموالهم. ?والعاملين ?على ?أموال ?اليتامى، ?(فَكُلُوا ?مِنْهَا ?وَأَطْعِمُوا ?الْبَائِسَ ?الْفَقِيرَ). ?فالبؤساء ?والفقراء ?لهم ?أيضاً ?حق ?في ?أموال ?اليتامى ?المستثمرة ?كما ?أن ?لهم ?حقاً ?في ?أموال ?الأغنياء. ?ومن ?كان ?فقيراً ?من ?الأوصياء ?فليأكل ?بالمعروف ?من ?أموال ?اليتامى، (وَمَنْ ?كَانَ ?فَقِيراً ?فَلْيَأْكُلْ ?بِالْمَعْرُوفِ). 4- الصدقة ليست مِنّه من الأغنياء بل هي حق الفقراء في أموال الأغنياء. فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه. له حق الانتفاع والتصرف الاستثمار. وليس له حق الاحتكار. الله هو الغني. وهو الذي يوزع الرزق على العباد، (إِنْ ?يَكُونُوا ?فُقَرَاءَ ?يُغْنِهِمُ ?اللَّهُ ?مِنْ ?فَضْلِهِ). ?وتكون الصدقة ?من ?الغني ?إلى ?الفقير ?دون ?دعاية ?أو ?إعلان، ?(وَإِنْ ?تُخْفُوهَا ?وَتُؤْتُوهَا ?الْفُقَرَاءَ ?فَهُوَ ?خَيْرٌ ?لَكُمْ)، ?وليس ?عن ?طريق ?التبرعات ?العلنية و?الإعلانات ?والجوائز ?وأوراق ?اليانصيب ?وكتابة ?أسماء ?المتبرعين ?على ?الألواح ?التذكارية. 5- والفقراء والأغنياء عند الله سواء، (إِنْ ?يَكُنْ ?غَنِيّاً ?أَوْ ?فَقِيراً ?فَاللَّهُ ?أَوْلَى ?بِهِمَا). ?فالبشر ?سواء ?في ?الخلق. ?والطبقات ?الاجتماعية ?وضع ?متغير. ?الغني ?اليوم قد يصبح ?فقيراً ?غداً. ?والفقير ?اليوم ?قد يصبح غنياً ?غداً. ?لا ?تفرق ?بين ?البشر ?الذين ?يوحدهم ?الخلق. ?كرامة ?الإنسان ?من ?حيث ?هو ?إنسان ?في ?ذاته، ?وليس ?من ?حيث ?غناه ?أو ?فقره. ??والمساواة ?في ?الحق ?تجب ?الوضع ?في ?المجتمع. ?لا ?فرق ?بين ?سكان الأحياء الراقية ?وسكان ?النجوع، ?بين ?المدن ?والقرى، ?بين ?أطفال ?المنازل ?وأطفال ?الشوارع. د. حسن حنفي* * أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة