المسجد الذي جرى فيه قتل ستة أشخاص يوم 30 يناير المنصرم، بينهم مغربي وجزائري وتونسي، أعرفه جيداً، حيث دعيت لإلقاء محاضرة في المركز الإسلامي هناك قبل سنوات، ومعي محاضرون فرنسيون، لبناء جسر من الحوار والتفاهم الثقافي. الحادثة التي ارتكبها كندي اسمه «ألكسندر بيسونت»، جاءت بعد أيام من تولي ترامب قيادة الولايات المتحدة الأميركية. في القرآن الكريم قانون نفسي اجتماعي يشرح سيكولوجية التعاطف مع المظلوم، فتقول سورة «الإسراء»: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ? وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ? إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا». هذه الآلية استخدمها الفرس في الانتصار للحسين، فما زالوا يضربون أنفسهم كل عام بمناسبة كربلاء بالسياط والسلاسل والسواطير حتى يسيل الدم، والآن نقلوا طقوسهم بعد أن قتلوا الأطفال السوريين (أحفاد يزيد!) إلى ساحة المسجد الأموي، وعلقوا راية أبي عبد الله الحسين على قبة المسجد، مما يظهر كيف يتجمد الناس في مربعات الزمن، فلا يملكون منها فكاكاً كما هو الحال في دوائر الإيزيديين. ومما أتذكره في القامشلي حول الإيزيديين، أن أحداً إذا خط في الأرض دائرة حول أحدهم، انعقل فيها فلا يستطيع الخروج! لكن هل هم الوحيدون أسرى أشباه الدوائر هذه؟ نفس الشيء يتكرر مع المسيحيين كل عام حين يحملون الصليب إلى جبل الجلجثة، واليهود الحاليون يتأملونهم وهم يعيدون منظر الصلب، قائلين: لو رجع لصلبناه من جديد فاحملوا صلبانكم ولا تترددوا. والشيء ذاته يتكرر مع اليهود في تكرار مشهد الانتحار الجماعي في قلعة «الماسادا»، فيجمعون أطفال اليهود من أرجاء المعمورة، ثم يحملون مكبرات الصوت ويصرخون في الجنود الرومان: اخرجوا.. وليس ثمة إلا الأشباح ورجع الصدى وخيالات المتعصبين. ما حدث في كيبك هو درس مهم لمسلمي كندا، وأنا منهم باعتزاز، ويشرفني الانتساب لهذا البلد الذي يتجه نحو المستقبل، تحت إمرة شاب ألمعي اسمه «جاستين ترودو»، ينشط بذكاء مميز، فيعين وزير الهجرة مسلماً من الصومال، ووزيرة العدل امرأة من بقايا الهنود الحمر، ووزير الدفاع من الشيوخ بعمامة تعلو رأسه.. وهو يرقص مع الهنود الحمر، ويفطر مع المسلمين، ويزور الصينيين في أعيادهم، ويدين العمل البشع في المسجد، ثم يذهب إلى جنازة الضحايا في كيبك معزياً. رسالة مني إلى مسلمي كندا، وخاصة أهل كيبك، أن يعيدوا قراءة الآيات من سورة المائدة: «لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك لِأَقْتُلك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِين». يا مسلمي كندا لا تردوا العنف بالعنف، بل اقتدوا بنور هذه الآيات وبموعظة الجبل من المسيح عليه السلام: طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للعطاش إلى البر لأنهم يرتوون. الدرس الكندي مهم للمسلمين في أميركا الشمالية، كي يتنبهوا إلى مشكلة العنف، وتدريب أولادهم على خطى محمد وعيسى عليهما السلام، فهما داعيا رحمة وسلام، «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ». إن «السلم في الإسلام تعميم للقاحات اللاعنف في زمن أوبئة العنف»، وفي الآية القرآنية من سورة البقرة دليل على ذلك: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً».