لكي يدرك المرء مدى عدم واقعية الأمر التنفيذي الذي أصدره مؤخراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الهجرة واللاجئين، فليس عليه إلا أن ينظر إلى حالة «فيان دخيل». ودخيل مشرعة من الإيزيديين اشتهرت بكلمة ألقتها أمام البرلمان العراقي حين كانت طائفتها تواجه إبادة جماعية قالت فيها «سيدي الرئيس... إننا نذبح تحت شعار ديني»! ولأن ترامب حظر السفر إلى الولايات المتحدة على مواطني العراق، ودول أخرى ذات غالبية مسلمة، لمدة 90 يوماً، فلن يُسمح لدخيل بحضور احتفال الأسبوع المقبل في واشنطن لاستلام جائزة «لانتوس» وهي جائزة سنوية في حقوق الإنسان تحمل اسم أحد الناجين مما يعرف بالهولوكوست، وهو نائب سابق يدعى توم لانتوس. ويفترض أن دخيل من فئة الأشخاص الذين يحميهم الأمر التنفيذي الجديد لترامب. والأمر التنفيذي يعطي الأولوية لـ«طلبات اللجوء التي يتقدم بها أفراد على أساس اضطهاد ديني بشرط أن يكون الفرد من أقلية دينية في بلد الجنسية». والأهم من هذا، أن مصير الإيزيديين يمثل جانباً من «العالم المشتعل» الذي دأب ترامب على الشكوى منه. وترامب حين يتكلم عن الممارسات التي لم نشهدها منذ العصور الوسطى فهو يتحدث عن الأعمال الوحشية التي يرتكبها «داعش» من اغتصاب وقتل بحق الإيزيديين والأقليات الأخرى في العراق وسوريا. و«فيان دخيل» ليست وحدها، بل هناك أيضاً المطران بشار وردة كبير أساقفة الأبرشية الكلدانية في أربيل، عاصمة كردستان العراق، وهو واحد من الذين لا يكلون عن الدفاع عن المسيحيين المحاصرين في بعض مناطق الشرق الأوسط. وبسبب أمر ترامب التنفيذي، اضطر وردة إلى إلغاء رحلته إلى واشنطن الأسبوع الماضي التي كان سيجتمع خلالها مع أعضاء من الكونجرس لمناقشة اضطهاد الأقليات الدينية. وفي مؤتمر صحفي يوم الاثنين الماضي في روما، أعلن وردة أن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب سيضع عبئاً جديداً على المسيحيين العراقيين الذين يعانون من مصير صعب. يذكر أن قرار ترامب بإعطاء الأولوية للأقليات الدينية المضطهدة بسبب عقائدها يعد من الأسباب التي جعلت خصومه يستنتجون أن سياسة اللاجئين الجديدة وقيود السفر يمثلان معاً حظراً متحيزاً ضد المسلمين. وفي مقابلة مع شبكة «سي. إن. إن» الإخبارية الأميركية يوم الأحد الماضي، أعلن أنطوني روميرو، المدير التنفيذي للاتحاد الأميركي للحريات المدنية، أن «الأمر التنفيذي دليل واضح على انتهاك التعديل الأول» من الدستور الأميركي. وكذلك صرح «دانيال ماخ» المسؤول البارز في المنظمة نفسها بأنه «من حيث الممارسة فإن تفضيل معتقدات الأقلية سيضر بشدة باللاجئين المسلمين الذين لن يحصل غالبيتهم على حق اللجوء نظراً للاستثناء الديني». وقد يكون هذا صحيحاً، ولكنه لا يجعل أيضاً أمر ترامب حظراً على المسلمين. فالأمر لا يحظر السفر من دول أخرى ذات غالبية مسلمة نفذ بعض مواطنيها هجمات إرهابية في الولايات المتحدة. صحيح أن كثيراً من المسلمين وقعوا ضحايا لـ«داعش» أيضاً، ناهيك عن ضحاياهم من النظام السوري والاضطرابات الأخرى في الشرق الأوسط، ولكن غير المسلمين يتعرضون لخطر خاص في المنطقة. وسياسة اللاجئين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لم تعكس الخطر الخاص الذي تواجهه الأقليات الدينية والعرقية بسبب «داعش». وفي عام 2016، استقبلت الولايات المتحدة عدداً من المسلمين القادمين من سوريا أكبر بكثير من المسيحيين أو الإيزيديين. وقد أكدت «نينا شيا» وهي محامية في مجال حقوق الإنسان وباحثة بارزة في معهد «هدسون» الذي يرصد السياسة الأميركية للاجئين، أنه في عام 2016 شكل المسلمون 99.5% من اللاجئين السوريين الذين وفدوا إلى الولايات المتحدة. ولم يتم قبول إلا 12 أسرة مسيحية من سوريا العام الماضي. وعلى رغم أن الإسلام يمثل دين الأغلبية في سوريا، إلا أن عدد المسيحيين الذين يحصلون على ملاذ آمن أقل بكثير مما يجب. ونسبة المسيحيين من سكان سوريا قدرت عام 2011 بما يتراوح بين 5 و10 في المئة. والسبب الرئيسي الذي جعل الولايات المتحدة تستقبل عدداً قليلًا من المسيحيين من سوريا هو أن كثيرين منهم لا يشعرون بالأمن في مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأردن وتركيا ولبنان. وهذه المخيمات هي المكان الأول الذي تجري فيه معالجة طلبات اللجوء. وتشير «شيا» إلى أن معظم اللاجئين المسيحيين أخبروها بأن الميليشيات المتطرفة والعصابات الإجرامية تستأسد على الأقليات في المخيمات، ولذا يلجأ معظم المسيحيين السوريين إلى المدن أو الكنائس التماساً للأمن. وكذلك اعترف مايكل جابودان، رئيس منظمة «ريفيوجيز إنترناشيونال» المعنية بحقوق اللاجئين، بأن المسيحيين يواجهون تمييزاً وحالة أسوأ في مخيمات اللاجئين مقارنة بغيرهم. ولكنه أضاف أيضاً أن نسبة كبيرة منهم يتمسكون بشدة بالبقاء في الشرق الأوسط موطن المسيحية الأول، ويؤيدون بشار الأسد. ومن المثير للإعجاب أن يحاول ترامب فتح الباب أمام الأقليات الدينية في الشرق الأوسط لأن أفرادها يواجهون تهديداً خاصاً في إقليم يسعى فيه المتشددون الإسلامويون إلى معاملة غير المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية. ولكن لو كان البيت الأبيض قد تقدم بمسودة الأمر التنفيذي لتمر عبر العملية الطبيعية للحكومة وأعطى الكونجرس والوزارات والوكالات الأخرى فرصة للنظر فيه فلربما تجنب الارتباك الذي حدث الأسبوع الماضي بشأن مكانة حاملي بطاقة الإقامة الدائمة والبطاقة الخضراء. ولربما استثنى المترجمين العراقيين الذين ساعدوا الجيش الأميركي في التصدي للمتشددين الذين وعد ترامب بالقضاء عليهم. ولكن ترامب حظر السفر على من يريد إنقاذهم. إيلي ليك محلل سياسي وأمني أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»