في كتابه الذي حمل عنوان «الاثنا عشر مرضاً التي غيرت العالم»، استعرض البروفيسور «إيروين شيرمان»، أستاذ علم البيولوجي بجامعة كاليفورنيا، مجموعة من الأمراض أثرت على مسار التاريخ البشري خلال مراحل مفصلية مختلفة، مما منحها لقب الأمراض التاريخية، أي التي ساهمت من خلال آثارها الفادحة في كتابة التاريخ. من هذه الأمراض نذكر: الجدري، والسل، والزهري، والإيدز، والإنفلونزا، والطاعون، والكوليرا، والملاريا، والحمى الصفراء، وهي جميعها أمراض معدية تصيب الإنسان، بالإضافة إلى مرض معدٍ يصيب النباتات وتسبب في المجاعة الإيرلندية وهجرة ونزوح الكثيرين من سكان إيرلندا إلى الولايات المتحدة، ومرضين آخرين غير معديين –الهيموفيليا والبورفيريا- كان لها أيضاً أثر تاريخي عميق. ومن الممكن أيضاً استخدام هذا المصطلح، أي الأمراض التاريخية، لتوصيف بعض الأمراض التي عرفها الأطباء وبعض المجتمعات في العصور الغابرة، أو ما يطلق عليها أحياناً فترة ما قبل التاريخ. من هذه الأمراض مرض الجذام، والذي كان موجوداً في الحضارات القديمة، مثل الصين، ومصر، والهند، ومنذ آلاف السنين، وربما حتى بين سكان الكهوف. ويعود أول سجل مكتوب عن المرض إلى عام 600 قبل الميلاد، وإن كان الطبيب المسلم ابن سينا هو أول من كتب عن المرض -خارج الصين- حين وصف التشوه الذي يصيب الحاجز الأنفي بين المصابين. وسواء قبل التعرف على طبيعة المرض، أو بعد إدراك ماهيته، فلطالما تعرض مرضى الجذام عبر التاريخ للرفض والعزلة والطرد، سواء من مجتمعاتهم أو حتى من عائلاتهم. حيث كان يعتقد أن العدوى بالمرض يمكن أن تحدث، إذا نظر شخص مجذوم إلى شخص سليم، أو إذا ما وقف شخص مجذوم في مهب الريح المتجهة نحو أشخاص أصحاء. هذه المخاوف والخرافات أدت إلى سياسة عزل المصابين بهذا المرض عن مجتمعاتهم رغماً عنهم، وقصر إقامتهم على ما يعرف بمستعمرات الجذام. تلك المستعمرات التي كانت تبنى غالباً على جزر معزولة، كانت تهدف إلى وضع المجذومين تحت الحجر الصحي إلى نهاية حياتهم. والجذام مرض بكتيري معدٍ، وإن كانت العدوى به تتطلب التعامل والتواصل مع الشخص المصاب لفترات طويلة جداً. وحتى بين من يتعرضون للميكروب لفترات طويلة نجد أن خمسة في المئة فقط من أفراد الجنس البشري معرضون للعدوى. هذه المناعة الطبيعية تعود في الغالب لأسباب وراثية، حيث يعتقد العلماء أن الجسم البشري يتمتع بمناعة طبيعية تلقائية ضد الميكروب، وأن من يصابون به يتميزون بتركيبة وراثية خاصة تجعلهم عرضة للعدوى. وربما أيضاً حتى بين أصحاب التركيبة الوراثية الخاصة، لا تحدث العدوى إلا في حالات سوء التغذية الشديدة، المصاحب بالتعرض للميكروب لفترات طويلة جداً. وهذه الأسباب ربما كانت هي التفسير الوحيد خلف العدد المنخفض نسبياً من حالات العدوى السنوية لميكروب الجذام، مقارنة مثلاً بميكروب السل الذي يصيب عشرات بل مئات الملايين سنوياً. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لا زال الميكروب المسبب للجذام، حياً وموجوداً. حيث تشير الإحصائيات إلى وقوع 212 ألف حالة إصابة جديدة عام 2015، ستون في المئة منها في الهند، كما ظلت كل من إندونيسيا والبرازيل يرزحان تحت وطأة معدلات إصابة مرتفعة مقارنة بباقي الدول. ومن بين جميع الحالات الجديدة تلك، كان تسعة في المئة منهم من الأطفال، وسبعة في المئة مصابون بتشوهات ظاهرة. وهو الوضع العالمي الذي نجحت منظمة الصحة العالمية، وباقي المنظمات والهيئات العاملة في مجال الصحة العامة، الدولية والوطنية، في تسليط الضوء عليه من خلال الفعاليات التي أقيمت بداية هذا الأسبوع، بمناسبة حلول اليوم العالمي للجذام (World Leprosy Day)، والذي يحل كل عام في الأحد الأخير من شهر يناير. فرغم أن الجذام لم يعد منذ عام 2000 يشكل أزمة تتعلق بالصحة العامة من المنظور الدولي، فإنه لا زال يشكل عقبة لدى الآلاف حول العالم، ويفسد ويتلف أيضاً حياة عائلاتهم، وربما مجتمعات كاملة عن بكرة أبيها. ورغم أن عدد المصابين والحالات الجديدة حالياً، لا يشكل إلا نزراً يسيراً مما كان الوضع عليه قبل عقد واحد من الزمان، فإنه لا زال عدداً غير مقبول، في ظل توفر علاج فعال للمرض منذ الثمانينيات، يمكنه القضاء تماماً على الميكروب المسبب له، باستخدام خليط من عدة أدوية.