عززت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لجمهورية الهند الصديقة وحضور سموه مراسم احتفال الهند بيوم الجمهورية الـ68 كضيف شرف رئيسي، يصحبه وفد رفيع المستوى.. عززت من أواصر العلاقات الوطيدة بين البلدين، وأضافت بعداً آخر لطبيعة هذه العلاقات، ومهدت الطريق أمام تحولات إيجابية ضخمة فيها خلال السنوات المقبلة. واستقبلت الإمارات على مدى العامين الماضيين ثلاثة وفود هندية رفيعة المستوى، كان أولها في عام 2015 خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والتي تعد أول زيارة لرئيس وزراء هندي للدولة منذ عام 1981. ولو نظرنا في أسباب ومحفزات هذا التطور في علاقات البلدين حالياً، لوجدنا ما لا يقل عن خمسة عوامل ساهمت في جعل هذه اللحظة مثالية لتطوير العلاقة التاريخية بين الهند ودولة الإمارات. ويتمثل العامل الأول في تراجع نشاط الولايات المتحدة الأميركية خلال دورة رئاسة باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط، وهي فترة امتازت إماراتياً بالحركة والنمو المتسارع والمستمر، وبالتطلع إلى تقوية العلاقات مع الدول القادرة على لعب دور مهم ومشترك في دعم أمن المنطقة وتحقيق التطور والازدهار المستدامين فيها.. فظهرت الهند كواحدة من أهم القوى الآسيوية المساهمة في تأمين الطرق البحرية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. أما العامل الثاني فهو النمو الاقتصادي الذي شهدته الهند في الفترة بين عامي 2005 و2015، والذي تجاوز 7% سنوياً، مما ساهم في جذب الاستثمارات الإماراتية للهند. كما ساهمت حملة مودي، «اصنع في الهند»، في تعزيز الصناعة الهندية الساعية دائماً لاستثمار رؤوس الأموال، والتي ترى الإمارات كمصدر ومركز استثماري مميز. ويكمن العامل الثالث في الطلب الهندي المتزايد على الطاقة، فهي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، إذ تستورد معظم استهلاكها من دول الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لذلك فهي تبحث عن مصادر إضافية للطاقة. والعامل الرابع هو ثقة البلدين المتزايدة في بعضهما البعض، مع الأخذ بعين الاعتبار شراكتهما وتعاونهما الدائم في مكافحة التطرف والإرهاب. أما العامل الخامس والأخير فهو دور رئيس الوزراء الهندي مودي في السياسة الخارجية للهند ونشاطه على الساحة الدولية، حيث أطلق سياسة «الارتباط بالغرب» المرتكزة على تعزيز العلاقات بالشرق الأوسط. فقد تحدث أسلافه عن سياسة «النظر للغرب»، لكنهم لم يستثمروا سياسياً في هذه السياسة. وعلى النقيض من ذلك، فإن رئيس الوزراء الحالي يلتزم بهذه السياسة التزاماً كاملاً. لتلك العوامل دور كبير في تجديد وتوطيد العلاقات التاريخية بين الهند ودولة الإمارات في الوقت الحالي. وندرك الآن أنه حان الوقت للعمل على تعزيز هذه العلاقات وتقويتها، خصوصاً في ظل فرص التعاون الكبيرة بين البلدين، والتغيرات المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي، والتي تتطلب مزيداً من التفاهم والتنسيق لمواجهة التحديات واستثمار الفرص. وإلى ذلك، ينبغي أن تستفيد الإمارات من حماس رئيس الوزراء الهندي وحكومته من أجل تقوية العلاقة وتوطيدها على المدى الطويل، وإشراك الجهات غير الحكومية في البلدين ممن لديها أهداف طويلة الأمد ولها مصلحة في نجاح العلاقات الإماراتية الهندية. وهذا يعني العمل والتعاون مع جهات القطاع الخاص، عبر منصات مختلفة، مثل المنتدى الاقتصادي الإماراتي الهندي، والعمل أيضاً مع أفراد من الجالية الهندية في دولة الإمارات باعتبارهم أفضل سفراء وممثلين للدولة في وطنهم في الهند. وقد عُقد الاجتماع الأول في نيودلهي كجزء من زيارة الوفد الإماراتي للهند، والتي جاءت استكمالاً وتتويجاً لهذه العلاقات الثرية، حيث تم توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وعدد من مذكرات التفاهم الجديدة. وسيعتمد نجاح هذه الاتفاقية على إرادة البلدين وإدراكهما لمصالحهما المشتركة، وقدراتهما على إشراك الهيئات والمؤسسات ذات الصلة لتحقيق الطموحات والأهداف المنشودة. وتأتي هذه الشراكة الاستراتيجية في إطار رؤية القيادة الرشيدة في الإمارات، والتي تتبنى سياسة التعاون والشراكة وليس المواجهة، وتؤمن بأهمية توقع ومواجهة التحديات العالمية المستقبلية، بما فيها النمو السكاني المتسارع وتراجع الموارد الطبيعية والأمن الغذائي والتدهور البيئي، وغيرها من التحديات التي تتطلب إيجاد الحلول لتحقيق ما فيه مصلحة الشعبين الصديقين. وعليه، وبعد توقيع العقود والاتفاقيات واختتام المناقشات، فقد جاء وقت العمل الدؤوب وأخذ هذا التعاون على عاتقنا لتحقيق الاستفادة القصوى منه. فلنعمل يداً بيد ولنبذل الجهود في تشجيع الأعمال التجارية وتعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بما يخدم مصالح بلدينا.