مع بداية قيام الاتحاد، أدرك المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أهمية الهند الاقتصادية والاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، فقام بزيارة تاريخية أرسى خلالها لعلاقات متميزة، فشجرة التعاون التي قام بغرسها نمت وأثمرت بما فيه الخير للبلدين الصديقين، حيث ارتفع التبادل التجاري بينهما إلى 60 مليار دولار تقريباً في العام الماضي 2016، مقابل 200 مليون دولار فقط في ذلك الوقت، مما حوّل الهند إلى الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات. الأسبوع الماضي تواصل هذا النهج الحكيم مع الزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، باعتباره ضيفاً رئيساً في الاحتفال بيوم الجمهورية الـ68، مع ما رافقها من حفاوة بالغة تعبر عن المكانة العالية التي يحتلها سموه ودولة الإمارات في الهند. الشجرة الطيبة، ثمارها طيبة، هكذا كانت الزيارة الأولى والتي أوصلت العلاقات بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، أما الزيارة الحالية والتي قام خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بغرس شجرة ثانية إلى جانب الأولى، فإنها تعني أن هذه العلاقة ستمضي بالبلدين الصديقين إلى آفاق أرحب من التعاون والشراكة الاستراتيجية التي تستجيب للتغيرات الاقتصادية والأمنية المستجدة في العلاقات الدولية. فدولة الإمارات شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية تحولات كبيرة نقلتها إلى مصافّ الدول المؤثرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في المنطقة، كما أن هند السبعينيات والثمانينيات ليست هند العقد الثاني من الألفية الجديدة، فإذا كانت أوجه التعاون في الماضي تناولت أساساً تنمية العلاقات بين دول حديثة، فإن الزيارة الأخيرة تعني تحول هذه الشراكة إلى نهج مبني على أسس قوية يتناول قضايا مهمة للغاية، كالتحالف الاستراتيجي والاستثمار في التقنيات الحديثة، وبناء مؤسسات مشتركة تتناسب وعصر المعلومات والطاقة المتجددة التي أضحت الإمارات لاعباً رئيسياً فيها. وكمثال على ذلك، تم التحضير لإقامة ميناء للغاز الطبيعي المسال بالاتفاق مع شركة الجرافات البحرية الوطنية بأبوظبي، مع ما يمثله هذا المشروع من أهمية كبيرة للاقتصاد الهندي، كما أن مجال التقنيات الحديثة والفضاء أضحيا إحدى أهم سمات هذا التعاون بفضل الاهتمام الإماراتي بهذه التقنيات وبعلوم الفضاء والتقدم الذي حققته الهند في هذا المجال. ولم يقتصر هذا التعاون والشركة الاستراتيجية على القطاع الحكومي في البلدين، بل تمت دعوة القطاع الخاص باعتباره شريكاً أساسياً في التنمية، حيث رافق سموه 30 من رجال الأعمال والمستثمرين، مما يعني وجود فرص لتنفيذ العديد من المشاريع المشتركة بين رجال الاعمال الإماراتيين والهنود في شتى المجالات. لذلك، هذه الزيارة لم تكن عادية ليس لأهميتها المعنوية فحسب، بل لنظرة القائد إلى آفاق المستقبل، حيث قال سموه «شراكتنا تتجه بقوة نحو المستقبل»، فحجم الاقتصاد الهندي تجاوز العام الماضي الاقتصاد البريطاني لأول مرة، مما يعني وجوده ضمن أكبر ستة اقتصادات عالمية، علماً بأنه يحقق معدلات نمو سنوية، هي الأعلى في العالم. وضمن هذه النظرة المستقبلية، تبرز مسألة إعطاء أهمية استثنائية للقطاع الخاص الإماراتي ولتحويله إلى لاعب أساسي في مجال التجارة والاستثمار الدولي، وبالأخص في البلدان الناشئة، كالهند الواقعة ضمن الاهتمام الاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي. ويتوقع أن تترتب على هذه الزيارة التاريخية ثمار جديدة لصالح البلدين الصديقين، فمن المتوقع أن يرتفع التبادل التجاري بينهما بنسبة 60% خلال السنوات الأربع المقبلة ليصل إلى 100 مليار دولار في عام 2020، وهي نسبة كبيرة ستدعمها المشاريع المشتركة المزمع إقامتها، وأنشطة القطاع الخاص، مما سيكسب التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين آفاقاً جديدة ترتقي إلى مستوى وحجم التحديات في المنطقة والعالم، وهذه ميزة أخرى لهذه الزيارة التاريخية.