لا نعلم ماذا تريد إيران من وراء التصريحات الغريبة و«المُبهمة» تجاه علاقاتها مع دول المنطقة! فبينما يُهدد بعض عسكرييها دول المنطقة، ويزداد تدخلها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض الدول الأفريقية، يخرج أصحاب القفازات المخملية بتصريحات ودودة، ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب! فقد أشار وزير خارجيتها، «جواد ظريف»، الأسبوع الماضي، خلال منتدى «دافوس»، إلى أنه لا يرى «سبباً لوجود سياسات عدائية بين إيران والسعودية»، وإلى أنه «يمكننا العمل معاً لإنهاء الأوضاع المأساوية لشعوب سوريا واليمن والبحرين، وغيرها من دول المنطقة»! ومع أن هذا الكلام يتناقض مع ما يجري على الأرض من تحشيدات عسكرية واستخباراتية تقوم بها إيران في أكثر من بلد عربي، فإننا لم نسمع بأي مبادرة من طرف إيران لتطبيق ما قاله وزير خارجيتها أعلاه! دول مجلس التعاون الخليجي، وضمنها المملكة العربية السعودية، دأبت منذ إنشاء مجلس التعاون عام 1981، على بث رسائل ودية إلى إيران، من أجل تطبيع علاقات حسن الجوار ودعم المصالح المشتركة للشعبين على ضفتي الخليج! أكثر من ستة وثلاثين عاماً ودول التعاون تريد إنهاء الخلافات بينها وبين إيران عبر الحوار السلمي المباشر أو عبر التحكيم الدولي، خاصة فيما يتعلق بقضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى).. لكن إيران تقابل تلك الدعوات السلمية والودية، المتكئة على التاريخ المشترك بين الطرفين، بالرفض والاستهجان، وأحياناً بالتلويح باستخدام القوة، إلى جانب استخدام الإعلام الدعائي المذهبي المستفز! وإيران التي يريد وزير خارجيتها إنهاء السياسات العدائية والعمل معاً لإنهاء الأوضاع المأساوية في سوريا واليمن، نجدها تخالف قيم وحدة الشعوب، كما يحدث في العراق، وتسعى لتشطير العراق إلى ثلاث مناطق (سنية، شعية، كردية)، ولدعم الاتجاه الشيعي المتمترس وراء المنضدة الطائفية. وإيران في سوريا تدعم نظاماً يحرق بلده، ويهجّر الملايين من أبناء شعبه إلى المنافي، ويستخدم البراميل المتفجرة، ويسمح للطيران الروسي بتدمير الحضارة الإسلامية والتاريخ السوري.. وهي من يرسل إلى هذا النظام الخبراء العسكريين لإجهاض الثورة العادلة، دعماً له كونه نظاماً «علوياً» يتقاطع معها في أكثر من زاوية. إيران في لبنان أيضاً مارست دور التشطير الطائفي عندما دعمت «حزب الله»، وظلت تتجاهل الشرعية اللبنانية في تعاملها مع هذا البلد، مؤكِّدةً الصبغة الطائفية، ونابذةً الأطراف الوطنية الأخرى، خلافاً للأعراف المرعية في علاقات الدول. إيران في اليمن ما زالت تدعم الحوثيين وأنصارَ المخلوع (علي صالح)، وهي من ساعدهما في الانقلاب على الشرعية في اليمن، وإدخال اليمن حرباً ضروساً.. لخلق بؤرة طائفية شيعية في خاصرة المملكة العربية السعودية، لذلك نجد أنها لم تستنكر يوماً قيام الحوثيين بإطلاق صواريخهم على المدن السعودية الآمنة، بل تمدُّ بالمال والسلاح. كما أن إيران تخالف الأعراف الدبلوماسية وعلاقات حُسن الجوار، عندما تدعم فئة معينة من أبناء شعب البحرين وتُحرّضهم على خلق القلاقل في هذا البلد الآمن. أين إذن هو الدور الذي «يُبشّر» به «ظريف» لإنهاء الأوضاع المأساوية في البلدان العربية؟ أليس الأحرى بإيران، وبعد كل تلك التدخلات السافرة، وزرع العدائية والكراهية بين شعبها وشعوب المنطقة، أن تحاول فتح صفحة جديدة، وإعادة الثقة بينها وبين هذه الدول التي عانت تدخلات نظام طهران في شؤونها الداخلية؟ إن الممارسات الدبلوماسية لا تُبنى فقط على التصريحات أو الأماني «الوردية» في المحافل الدولية، بل يجب أن تُؤَسس على الأقوال الصادقة الموازية للممارسات، بما يفتح صفحة جديدة للشعب الإيراني كي يكتشف أن الشعارات المذهبية لا تبني دولاً ولا تخلق أوطاناً ولا تؤسس لتنمية، وأن اللعب بالكلمات لا يُحقق المعادلات الإقليمية المطلوبة على الأرض!