نجح تدخل مجموعة الغرب الافريقي الإقليمية «إيكواس» Ecowas دبلوماسياً وعسكرياً، في إنقاذ إحدى دول المجموعة -جامبيا- من انقسامات واضطرابات محتملة نتيجة تصميم الرئيس السابق الحاج يحيى جامع على رفض قبول نتائج الانتخابات الرئاسية، ونقل السلطة سلمياً إلى الرئيس المنتخب «أداما بارو» زعيم الحزب الديمقراطي المتحد. وقد أدى تدخل المجموعة عسكرياً بعد فشل الجهد الدبلوماسي إلى إخراج الرئيس السابق يحيى جامع من البلاد، وإعلان تسليم الجيش الجامبي بتدخل قوات «إيكواس»، بل والتعاون مع قوات السنغال أساساً، وقوات رمزية من بعض الدول الأعضاء الأخرى. هكذا تثبت منظمة «إيكواس» بتدخلها لإنقاذ الوضع في جامبيا، ومن قبلها تدخلت كذلك في أكثر من خمس دول بالمنطقة لوقف الصراعات الداخلية (ليبيريا -سيراليون -غينيا -ساوتومي...) وبقيادة نيجيرية في الغالب، كأكبر دولة في المنطقة، أنها تستطيع أن تكون بديلاً فعلياً للتدخلات الدولية المثيرة للجدل كما تم في الكونغو الديمقراطية مثلاً. وثمة حالات أخرى للتدخل من قبل منظمات إقليمية بقوة «الإيكواس»، وهي منظمة الجنوب الأفريقي للتنمية «سادك» SADEC التي حسمت -في أكثر من مناسبة- الموقف المضطرب في أنجولا وموزمبيق وليسوتو، بل وامتدت قوتها إلى الكونغو الديمقراطية عام 2014 بقيادة الدولة الأكبر أيضاً، وهي جنوب أفريقيا. ومثل ذلك تعتبر حالة منظمة «الإيغاد» في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وإنْ لم تتدخل مباشرة بقواتها، ولكنها تؤيد التدخل الذي يفرض نفسه، مثل الحال في الصومال (بتدخل إثيوبيا وغيرها) وجنوب السودان... وبدرجه ما، دعم إثيوبيا إزاء إريتريا. وهذا ما نعنيه بأن المنظمات الإقليمية، باتت ذات أنياب... تستطيع بها حسم مواقف في بلد أو آخر من أعضائها، وبالقوة المسلحة، التي جعلت البعض يتحدث عن الديمقراطية المفروضة خارجياً، وفي شأن داخلي لبلد مستقل! وقد كان مبدأ «عدم التدخل» هو الذي تبنته منظمة الوحدة الأفريقية عند قيامها عام 1963 لوقف الصراعات التي سادت بشأن الحدود... إلخ. ولكن بقيام الاتحاد الأفريقي، اتجه لإقرار إمكانية «التدخل الإنساني» من جهة، والتدخل بالقوة في حالة اضطراب الموقف في هذا البلد أو ذاك من أعضائه من جهة أخرى، نتيجة ما يسمى «التغيير غير الدستوري» أو الصراع القبلي والطائفي... إلخ. ومع ذلك لا يقوم الاتحاد الأفريقي بالتدخل المباشر إلا في حالات قليلة (جنوب السودان أو الصومال)، حيث يترك ذلك عملياً للمنظمة الإقليمية بالمنطقة... وكان موضوع «التدخلية» قد ساد في المنظمات الدولية تحت شعار «السيادة المحدودة» أو الاستقلالية المقيدة، منذ اضطرابات غرب أفريقيا المتعددة، لقوة النفوذ النيجيري العسكري فيها، ولتوافر الحيثيات في يد الدول الكبرى نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان المهدد عادة بالتدخل المقابل في المناطق الحساسة في العالم. هذا فضلًا عن المادة الثامنة في ميثاق الأمم المتحدة التي تعرف طريقها للتفعيل، وفق رغبة الكبار فقط باسم «وجوب إجراء الترتيبات الإقليمية لحفظ السلام»... إلخ. وكم تمنيت أن يكون ذلك موضع الاعتبار في الدول العربية. وتفرض حالات التدخل هذه نفسها بالاعتراف بقوة الدولة القائدة للمنطقة. وقد فرضت هذه الحالة نفسها يوماً على الفكر الأفريقي، وذلك بترديد أفكار لم يكن يجرؤ أحد على الحديث فيها، مثل القضية الجدلية حول «التدخل الإقليمي» التي كتب عنها الكاتب «علي مزروعي» في حديثه عن أفكار «السيادة المحدودة والتدخلية الدولية». فمضى إلى ترك هذا الحق للقوى الإقليمية لتحقيق «التدخلية المحمودة»، أو الاستقلالية المحدودة حتى لو سمي ذلك «استعماراً إقليمياً»... وهو ما أثار عليه حينها ثائرة المثقفين الأفارقة حتى أدت تدخلات نيجيريا في أنحاء غرب أفريقيا بما يكاد يثبت آراءه! كما أدت الحالة الجامبية، بتدخل تقوده الدولة المجاورة السنغال، هذه المرة، نيابة عن «إيكواس» إلى إعادة الحديث عن دور المنظمات الإقليمية، وشرعية تدخلها، ومتى وكيف يتحقق ذلك إزاء الأهواء الدولية والطموحات الإقليمية، وامتدت تحليلات القوى الديمقراطية في ذلك إلى الموقف من حالة تحرك الشعوب من أجل التغيير، وحتى «الثورة الشعبية»، وهنا راح الاتحاد الأفريقي يطرح المسألة للنقاش، وإنْ بشكل غير رسمي بعد اضطراب الموقف مع الجماهير الشعبية في عدد من الدول الأفريقية وبعض حالات العنف (جنوب السودان- الصومال)، ما قد يدعو للتدخل من أجل الديمقراطية! وتظل حالة جامبيا موضع الاعتبار، كما تظل القوى الإقليمية متحفزة للتدخل (نيجيريا -جنوب أفريقيا -إثيوبيا) بينما تبقى المنطقة العربية في فوضاها الخاصة.