مخططات كبرى ومشاريع عملاقة لتأكيد السيادة الصينية المستقبلية على العالم، ومشروع مثل «طريق الحرير» البري والبحري وغيرهما من المشاريع التي تغطي آسيا وأوروبا مع حضور ملموس في أفريقيا لخدمة المصالح الصينية، هي مؤشرات تصب جميعها في نوايا الصين للعقود القادمة. فحين تستضيف بكين «طالبان» على سبيل المثال وتتحاور معها حول مستقبل الدولة الأفغانية، أو تجد باكستان توافقاً على تخصيص 10 آلاف عسكري لحماية مشروع صيني طموح في باكستان تقدر قيمته بـ 40 مليار دولار أميركي.. كل ذلك غير مستغرب. ومن هذا المنطلق يمثل السلام والاستقرار في اليمن محوراً مهماً للمصالح الصينية في المنطقة، مما جعلها تسترجع زمام المبادرة وتحرك أساطيل تابعة للبحرية الصينية لتكون على مقربة من المناطق الساخنة، وفي الممرات الحيوية لتأمين مصالحها ورعاياها. فمعظم دول العالم المستقرة لا تريد الانسياق حتى النهاية مع المغامرات الأميركية، التي ستودي بمصالحها بما في ذلك العديد من الدول الأوروبية وأستراليا، التي بدأت تبحث عن المستقبل في آسيا، وتعارض إشعال الشرق الأوسط وآسيا لصالح الولايات المتحدة، وتحول الاهتمام إلى تصحيح علاقات تلك الأمم مع الصين، وستتبعهم الهند لتأمين محيطها. وأما في ما يخص اليمن وهي الامتداد الطبيعي لمنطقة الخليج، فهي بالضرورة محط اهتمام الصين، حيث تستورد الصين ثلث إمدادات الغاز الطبيعي، وأكثر من 50% من إمدادات النفط من الشرق الأوسط مع تزايد في الطلب اليومي سيتضاعف بحلول عام 2035، وبالتالي عدم الاستقرار سيعيق حتماً النمو والتنمية في الصين. ويعتبر مشروع «حزام واحد» الصيني مبادرة عالمية رئيسة تسعى من خلاله لربط الصين بأوروبا عبر أقصر الطرق الممكنة، بما في ذلك الشرق الأوسط، والهدف من هذه المبادرة هو الوصول إلى أسواق جديدة للسلع الصينية، وهو واحد من أكثر المشاريع طموحاً في التاريخ البشري، وتقدر تكلفته بمئات المليارات من الدولارات والصراع العنيف في الشرق الأوسط قد يلحق به ضرراً بالغاً، ولذلك لن تسمح بكين بالمزيد من التدهور في اليمن، وستتدخل في الوقت التي تراه مناسباً وإيجاد مصلحة مشتركة بين أطراف الصراع جميعاً. وللتنين الصيني رؤية خاصة حول الوضع السني- الشيعي في العالم، ومن مصلحتها إخماد نار تلك الفتنة كون مشاريعها تمر عبر الدول التي تخضع للنفوذ الشيعي، وكذلك الدول السُنية في آسيا الوسطى، مثل كازاخستان وأوزبكستان، وتركمانستان، وبالمقابل من مصلحة منافسي الصين وجود صراع سُني- شيعي، وسيعملون على تعزيز توسيع الفجوة وتقسيم العالم الإسلامي، والذي فيه ضربة موجعة للطموح الصيني. ففي ديسمبر من سنة 2015 تم تمرير تشريع في الصين يسمح للجيش الصيني بالقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب خارج الحدود الصينية، وهذا القانون مهّد الطريق لبكين كي تلعب دوراً أكثر أهمية في المعارك ضد المجموعات الإرهابية في العالم والتدخل العسكري للحفاظ على الاستقرار العالمي. ومن ضمن المبادرات الصينية الإعلان عن إنشاء «منتدى السلام في الشرق الأوسط» من قبل مؤسسة الصين للشرق الأوسط للسلام والتنمية (MEFPD)، ومنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، هو دليل آخر على أن السياسة الصينية الجديدة في الشرق الأوسط والإجراءات الصينية تؤكد على أن المنطقة هي الساحة التي يمكن للصين من خلالها أن تثبت قوتها وقدراتها على الساحة العالمية. فقد كانت الصين من بين الدول العشر الأولى الراعية لعملية الانتقال السياسي في اليمن، وخاصة أن هذا البلد واعد يعج بالموارد الطبيعية التي تحتاجها بكين. فاليمن يمثل بوابة مهمة للخليج العربي وممراً مائياً حيوياً للعالم، وخاصة أنه البوابة الرئيسة لأفريقيا، حيث الاستثمارات الصينية العملاقة. وستسعى الصين دون أدنى شك للاستفادة من إخفاقات اللاعبين الآخرين في الصراع اليمني، وستلعب دوراً رئيساً تجاه الوضع في اليمن، وكيف لا وهي الشريك التجاري الرئيس للمملكة العربية السعودية، والتطورات في اليمن لها بعد عميق في الداخل السعودي. ومن جهة أخرى، تعتبر الصين حليفاً قوياً لإيران، وفي الوقت نفسه هي صديق مهم لدول الخليج العربية، ويبدو أن الصين تعمل مع جميع الأطراف بشعار «الصين أولاً» من أجل تحقيق السلام وإطلاق الاستثمارات الصينية في اليمن، وفي المنطقة ككل، وستستمر في سياستها المحايدة مع جميع الأطراف في الصراع في اليمن، حيث يشاهد السلاح الصيني يُستخدم من قبل الجانبين لتثبت الصين أنها شهبندر الاقتصاد العالمي الجديد. والحرب والسلام ليس أكثر من مجرد صفقة أخرى في المتناول.