شاءت الصدفة أن دعاني أحدهم للقاء في «كوفي شوب» معروف في دبي لعرض فرصة استثمارية مغرية وإقناعي بالانضمام «لمجموعتهم». وأثناء اللقاء لاحظت أن المقهى يعج بأشخاص من شتى الجنسيات والأعمار تجمعهم غاية واحدة وهي: مناقشة تطورات «الفرصة الاستثمارية» والتدريب على أحدث وسائل إقناع الآخرين للدخول في المجموعة التي تتبع شركة أجنبية لها فرعان في دبي وأبوظبي. ويقوم أعضاء المجموعة بالتواجد في هذا «المقهى» ثلاث مرات أسبوعياً: يوم الجمعة من الساعة التاسعة والنصف حتى الحادية عشرة صباحاً، ويومي الاثنين والأربعاء من السابعة والنصف مساء، ومن التاسعة حتى العاشرة مساء على التوالي، إضافة إلى إلزامية حضور دورات وتجمعات أسبوعية في أحد الفنادق. وتتلخص أهداف المجموعة في نشر ما يسمونه ثقافة الاستثمار التي أسستها شركة تتخذ من هونج كونج وماليزيا مقراً لها، ولها فروع في العديد من الدول ومنها الإمارات العربية المتحدة. وتتمحور تلك الفرصة الاستثمارية في إقناع الآخرين بشراء منتجات «حصرية» للشركة، وذلك بمبلغ لا يقل عن 20000 درهم، ولكن الشرط الأساس للشراء والانضمام للمجموعة، هو ذكر رقم التعريف الشخصي للعضو الذي قام بتسويق تلك الفرصة للأعضاء الجدد، وفي المقابل يحصل ذلك العضو على مكافأة قدرها 250 دولارا أميركيا عند اكتمال 6000 نقطة من عمليات الشراء من كل عضو جديد. وتتعاظم عمولات العضو بقدر عدد منْ يستطيع إقناعهم بالانضمام للمجموعة وعدد من ينضم بعدهم أيضاً. وقد أثار الوضع عدة أجراس إنذار أمامي. الجرس الأول يتمثل في قيام بعض الشباب المواطنين بترك دراستهم بل وأحياناً مخالفة تعليمات الأسرة والالتحاق بمجموعات تلك الشركة وإنفاق مدخراتهم، بل ويقترضون أحياناً للوفاء بشروط العضوية مما قد يتسبب في أزمة اجتماعية خطيرة نتيجة قضاء الشباب الساعات الطويلة في «المقهى» للبحث عن أعضاء جدد تحت ضغط الرغبة في توسيع شجرة الأعضاء للحصول على أرباح سريعة، وهم في هذا الإطار ينفذون التعليمات التي تلقوها بالبدء بالأقارب ثم الأصدقاء مع عدم الإفصاح عن أي معلومات عن الشركة، إلا بعد دعوة المرشح للعضوية للمقهى أو للتجمع الأسبوعي في الفندق. وجرس الإنذار الثاني يكمن في أن العديد من الدول منها السودان، سريلانكا، إيران ورواندا قد اتهمت فروع الشركة بالتسبب في خروج مليارات الدولارات من تلك الدول لحساب الشركة مما تسبب في أزمات اقتصادية خطيرة. الجرس الثالث، هو أن تلك الشركة تتبع نظاما يسمى: الإطار الهرمي، وهو نظام غير قانوني ومحظور في معظم دول العالم ومنها الولايات المتحدة الأميركية، البرازيل، الصين، فرنسا، بريطانيا وغيرها، ولكن الشركة تطبقه في دولة الإمارات منذ سنوات. جرس الإنذار الرابع هو أن تلك الشركة قد تم حظر أنشطتها واتهام فروعها بممارسة أنشطة غير قانونية في العديد من الدول منها نيبال، تركيا، مصر، إندونيسيا والهند بل إن الإنتربول قد أصدر أوامر ملاحقة وقبض دولية في حق العديد من مديري فروع تلك الشركة حول العالم. جرس الإنذار الخامس يتمثل في صدور فتاوى شرعية من جهات رسمية في دول إسلامية مثل دولة الإمارات ومصر تقضي بأن أنشطة الشركة «حرام» وتضر الاقتصاد الوطني، بل بلغ الأمر أن اتهمت السلطات الرسمية السعودية فروع الشركة هناك بالاحتيال والسرقة، وحذرت مواطنيها من التعامل معها، وقامت بإغلاق الشركة. إذن نحن أمام «مجموعة منظمة بدرجة كبيرة» لديها تعليمات صريحة وحاسمة باستقطاب الأفراد واستنزاف مواردهم، وجعلهم يقضون الساعات، والأيام بعيداً عن دراستهم وعائلاتهم، مما ينذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة إن لم تتدخل الجهات المعنية لمواجهة الوضع ونشر الوعي بين فئات المجتمع بخطورة التعامل مع هذه الشركة، إن ثبت أن ما تقوم به مماثل لما قامت به في دول أخرى تم حظرها فيها.