ترجمة: وائل بدران يدخل العالم أخطر فصوله منذ عقود، إذ يجردنا المنعطف الحاد الذي اتخذته الحروب خلال السنوات الأخيرة من قدرتنا على التكيف مع التبعات. ومن أزمة لجوء عالمية إلى تفشي الإرهاب، وإخفاقنا الجماعي في حلّ الصراعات، تنشأ تهديدات وحالات طارئة جديدة. وحتى في المجتمعات المسالمة، تقود سياسات الخوف إلى حالة استقطاب وديماغوجية خطيرة. وفي هذا السياق، يبقى انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الحدث الأكثر أهمية دون منازع خلال العام الماضي، وستكون له أوسع التأثيرات الجيوساسية في المستقبل. وقد تحدث كثيرون عن مجاهيل أجندة السياسة الخارجية للرئيس الأميركي الجديد. لكن شيئاً واحداً نعلمه هو أن انعدام اليقين في حد ذاته يمكن أن يكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار بشكل كبير، خصوصاً عندما يشمل أقوى القوى الفاعلة على الساحة العالمية. وبالفعل، يراقب الحلفاء القلقون، من أوروبا إلى شرق آسيا، تغريدات ترامب والتهديدات التي يوجهها من حين لآخر، ويترقبون ما إذا كان سيبرم اتفاقاً مع روسيا على حساب الأوروبيين، أو ما إذا كان سيحاول إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ومدى جديته بشأن سباق تسلح جديد. والحقيقة أنه لا أحد يعلم.. وهنا تكمن المشكلة بالتحديد. تكبد العالم على مدار العقود الستة الماضية نصيباً كبيراً من الأزمات، من فيتنام إلى رواندا ثم الحرب العراقية الإيرانية ومن بعدها الحروب الأميركية على العراق. لكن رؤية النظام الدولي الذي يقوم على أسس التعاون التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية، والتي ناصرتها وقادتها الولايات المتحدة الأميركية، رسخت هيكلاً للعلاقات بين القوى الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة. بيد أن ذلك النظام كان يتعرض لحالة من التقلب حتى قبل فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية. وبدأ تخندق الولايات المتحدة، بخيره وشرّه، أثناء رئاسة الرئيس السابق باراك أوباما. لكن أوباما عمل على تعزيز المؤسسات الدولية لسد هذه الفجوة. واليوم، لم يعد بمقدورنا أن نزعم أن الولايات المتحدة التي ترفع شعار «أميركا أولاً» ستقدم وقوداً وزخماً إلى النظام العالمي. بل إن القوة الخشنة للولايات المتحدة، عندما لا تصاحبها وتؤطرها قوتها الناعمة، من المرجح بشكل كبير أن يُنظر إليها باعتبارها تهديداً وليست عامل اطمئنان، كما كانت بالنسبة إلى كثيرين. وفي أوروبا، أضيف انعدام اليقين بشأن الوضع السياسي الجديد في الولايات المتحدة إلى حالة التشوش التي أعقبت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقوت شوكة القوى القومية في دول القارة. وستختبر الانتخابات المقبلة في فرنسا وألمانيا وهولندا، مستقبل المشروع الأوروبي. ومع قدوم إدارة ترامب، تبدو «دبلوماسية الصفقات»، التي تشهد ارتفاعاً بالفعل، في تزايد. وتحل المساومات التكتيكية محل الاستراتيجيات طويلة الأمد والسياسات التي تدفعها القيم. وفي حين يحمل التقارب بين روسيا وتركيا بعض الأمل في تقليص وتيرة العنف في سوريا، فإنه على موسكو وأنقرة أن تساعدا في نهاية المطاف على تمهيد الطريق أمام حكم أكثر شمولاً في سوريا، أو أنهما ستجازفان بالانزلاق بدرجة أعمق في المستنقع السوري. وقد أبرم الاتحاد الأوروبي، الذي لطالما دافع عن الدبلوماسية التي تقوم على القيم، صفقات مع تركيا وأفغانستان ودول أفريقية لوقف تدفق المهاجرين واللاجئين، رغم ما لذلك من تداعيات عالمية. ومن جانب آخر، يمكن لأوروبا أن تستفيد من أي تحسن في العلاقات الأميركية الروسية كي تضبط السيطرة على الأسلحة، سواء التقليدية منها والنووية، وهو ما يمكن أن يكون خياراً ملائماً أكثر مما هو سياسة انتهازية. أما طريقة بكين العنيدة في علاقاتها مع الدول الآسيوية الأخرى وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فتظهر ما يمكن أن يُحرم منه العالم في غياب تطمينات واضحة من جانب الولايات المتحدة. وقد تبدو هذه الترتيبات القائمة على أسلوب الصفقات بمثابة إحياء لـ«السياسة الواقعية»، غير أن النظام العالمي الذي تقوده عملية صنع الصفقات قصيرة الأجل، قد لا يحافظ على استقراره. ويمكن إبرام الصفقات عندما تعكس استراتيجيات طويلة الأجل. ومن دون نظام يمكن توقعه، وقواعد مقبولة على نحو واسع النطاق، ومؤسسات قوية، فإن المجال أمام الخطأ كبير. ويشهد العالم حالة من الميوعة وتعدد الأقطاب، وشداً وجذباً بسبب مجموعة متنوعة من القوى الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، وكذلك من قبل جماعات مسلحة إلى جانب منظمات المجتمع المدني. وفي عالم مكتظ بالتفاصيل، لا يمكن للقوى الكبرى أن تحتوي أو تسيطر بطريقة منفردة على الصراعات المحلية، وإنما يمكنها أن تتلاعب بها أو تنخرط فيها، ويمكن أن تؤجج الصراعات المحلية نيراناً أكبر بكثير. وسواء أحببنا أم لا، فإن العولمة حقيقة. فنحن جميعاً متصلون، وقد أججت الحرب في سوريا أزمة لاجئين أسهمت في «التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» (بريكست)، وما لذلك الحدث من تداعيات يمكن تحدث مرة أخرى تقلبات خارجية. وربما ترغب الدول في الانكفاء على نفسها، لكن ليس ثمة سلام ولا ازدهار دون مزيد من التعاون في إدارة شؤون العالم. وأسلّط الضوء في السطور التالية على قائمة تضم أبرز عشرة صراعات لا بد من مراقبتها خلال عام 2017، في محاولة لتوضيح بعض الاتجاهات الأوسع، ولاستكشاف سبل مجابهة الديناميكيات الخطيرة. أولاً: سوريا والعراق بعد قرابة ستة أعوام من الاقتتال، حيث لقي زهاء نصف مليون إنسان مصرعهم، واجتث 12 مليوناً من جذورهم بين نازح ولاجئ، يبدو من المرجح أن يحتفظ الرئيس السوري بشار الأسد بالسلطة في الوقت الراهن، لكن حتى في ظل المساندة الخارجية لقواته، لا يمكنه إنهاء الحرب أو استعادة كامل السيطرة. وبدا ذلك جلياً في ضوء استعادة تنظيم «داعش» الإرهابي مؤخراً السيطرة على مدينة تدمر الأثرية، بعد تسعة أشهر تقريباً على حملة عسكرية مدعومة روسياً طردت التنظيم من المدينة. وقد أفضت استراتيجية الأسد الرامية إلى سحق المعارضة غير المتطرفة، إلى تمكين الجماعات الإرهابية مثل تنظيم «داعش» و«جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً). وزادت الهزيمة الأخيرة في حلب من ضعف قوى المعارضة غير الإرهابية، ولا يزالون منقسمين، وتزيد من هذا الانقسام الأساليب المختلفة للدول الداعمة لهم. وشكلت استعادة النظام، خلال ديسمبر الماضي، السيطرة على شرق حلب، نقطة تحول قاسية، حيث نجح النظام وحلفاؤه، بسبب سياسات الحصار وقصف المدنيين بصورة وحشية، في إحداث ذلك التحول. وأعرب الغرب عن رعبه وغضبه، لكنه فشل في القيام برد ملموس. وقد مضت عملية إجلاء المدنيين وقوى المعارضة قدماً بعد أن أبرم كل من روسيا وتركيا وإيران اتفاقاً بهذا الشأن. وتابعت هذه «الترويكا» اتصالاتها لتنظم اجتماعاً للأطراف السورية في أستانا، من أجل «إحياء العملية السياسية» وبهدف إنهاء الحرب. ولم تتم دعوة الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة إلى أستانا، كما لم تتم مشاورتهما، إلا في وقت متأخر جداً. وتوسطت روسيا وتركيا في اتفاق لوقف إطلاق النار في نهاية ديسمبر. وعلى الرغم من التحديات الصعبة، فإن هذا المسار الدبلوماسي الجديد يفتح الباب أمام إمكانيةٍ أفضل لتقليص مستوى العنف في سوريا. ومن المرجح أن تستمر الحرب ضد تنظيم «داعش»، وثمة حاجة ملحّة إلى ضمان أنها لن تغذي مزيداً من العنف وزعزعة الاستقرار، خصوصاً أن سوريا تشهد جهوداً متنافسة ضد ذلك التنظيم، تقودها من ناحية أنقرة، ومن الناحية الأخرى الجماعة السورية الشقيقة لحزب العمال الكردستاني، وتتشابك مع الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني داخل تركيا. وفي هذه الأثناء، دعمت واشنطن كلا الطرفين (التركي والكردي) بينما تحاول تقليص المواجهات المباشرة بينهما. وعلى إدارة ترامب المقبلة أن تضع أولوية نزع فتيل الصراع بين شركائها الأتراك والأكراد من أجل السيطرة المباشرة على الأراضي من المتطرفين، لأنه إذا تصاعدت وتيرة العنف بين الطرفين، فإن تنظيم «داعش» سيكون أول المستفيدين. ولا يزال تنظيم «داعش» يبسط سيطرته على أجزاء كبيرة في العراق وسوريا، وإن كان قد خسر مساحات كبيرة خلال العام الماضي. لكن حتى إن هُزم عسكرياً، فإنه سيعاود- هو أو أي تنظيم متطرف آخر- الظهور من جديد ما لم تتم معالجة مشكلات الحكم الأساسية. وقد خرج «داعش» نفسه من تنظيم مماثل فشل في العراق. بينما يواصل نشر أيديولوجية تستمر في حشد الشباب في أنحاء العالم، وتمثل تهديدات خارج حدود العراق وسوريا، مثلما أظهرت الهجمات الأخيرة في إسطنبول وبرلين. وفي العراق، قوضت المعركة ضد تنظيم «داعش» قدرة الحكومة على الحكم، وتسببت في كثير من الدمار وعسكرة الشباب، وإرهاق المجتمع العراقي، كما أضعفت الأحزاب السياسية وشرذمتها إلى فصائل متنافسة وقوى شبه عسكرية تعتمد على داعمين إقليميين وتتنافس على موارد العراق. وقد ضاعفت المعركة لهزيمة «داعش»- الذي ازدهر على المظالم العميقة بين السنة العراقيين- من الضرر الذي تسبب فيه حكم التنظيم. ولتفادي ما هو أسوأ، يحتاج كل من بغداد وحكومة كردستان العراق إلى المساندة، والضغط من أجل كبح جماح التنظيمات شبه العسكرية. والنجاح الذي تحقق حتى الآن في الحملة العسكرية المدعومة أميركياً من أجل استعادة الموصل، إذا أسيء التعامل معه، من الممكن أن يتحول إلى فشل. وإلى جانب الجيش العراقي النظامي والقوات الخاصة لمكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية التي تخوض المعارك داخل المدينة، تنخرط أيضاً جماعات محلية، من شأن دورها الطائفي المشبوه أن يؤدي إلى إفساد الانتصار. وعلاوة على ذلك، تتنافس كل من إيران وتركيا على التأثير باستخدام قوى محلية بالوكالة. وكلما طال أمد المعركة، استغلت هذه الجماعات المتنوعة الفرص لكسب ميزة استراتيجية من خلال السيطرة على الأرض، وهو ما يعقد التسوية السياسية. وبمساندة من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين، على العراق أن يواصل تعبئة كل الإمكانات اللوجستية والعسكرية لدعم قواته كي تقتحم المدينة وتفرض الاستقرار، بالاعتماد على قوى محلية في المناطق التي تستعيدها من تنظيم «داعش»، لضمان عدم خسارة المكاسب العسكرية المتحققة مرة أخرى. وعليه أيضاً أن يؤسس حكماً يشمل القوى السياسية الفاعلة على المستوى المحلي. ثانياً: تركيا يبدو أن هجوم رأس السنة الجديدة الذي وقع في إسطنبول، وأسفر عن مقتل 39 شخصاً على الأقل، يمثل نذيراً بمزيد من العنف المحتمل. فقد زعم تنظيم «داعش» بمسؤوليته عن الهجوم، في مؤشر قد يشي بحالة من التصعيد. وإضافة إلى انتشار العنف جراء تدهور الأوضاع في سوريا والعراق، تواجه تركيا صراعاً متفاقماً مع «حزب العمال الكردستاني». وفي ضوء الاستقطاب السياسي، والتوترات الاقتصادية، وضعف التحالفات، تتجه تركيا صوب مزيد من الاضطرابات. وواصل الصراع بين الحكومة ومسلحي «العمال الكردستاني» تصاعده عقب انهيار وقف إطلاق النار في يوليو 2015. ومنذ ذلك الحين دخل هذا الصراع واحداً من أكثر الفصول دموية في تاريخ «حزب العمال الكردستاني» منذ ثلاثة عقود، حيث قتل ما لا يقل عن 2500 من المسلحين وقوات الأمن والمدنيين في كلا الطرفين، نتيجة لذلك التصعيد. وأفضت المواجهات والعمليات الأمنية إلى نزوح أكثر من 350 ألف مدني. وقتل هجوم مزدوج نُسب إلى «حزب العمال الكردستاني» 45 شخصاً قرب استاد كرة القدم في إسطنبول في ديسمبر الماضي. وفي رد على الهجوم، سجنت الحكومة مرة أخرى ممثلين للحركة الكردية، لتسد بذلك قناة مهمة للتسوية السياسية التي ينتظر أن تشمل الحقوق الأساسية لحماية الأكراد في تركيا. وعلى الرغم من أن جذور التصعيد كامنة محلياً، فإن مما يدفعه أيضاً قلق أنقرة المتزايد من المكاسب الكردية في شمال سوريا والعراق. وقد أقنع ذلك- إلى جانب الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش»- أنقرة بإرسال أولى كتائبها إلى العراق ثم سوريا، ومن ثم انزلاقها بدرجة أكبر في الدوامة الشرق أوسطية. وعلى الصعيد المحلي، تواصل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان فرض إجراءات أمنية مشددة على المعارضة السياسية والمنشقين، وقد دفعت بتغييرات دستورية لإقامة نظام رئاسي، من المتوقع طرحها في استفتاء عام بحلول الربيع المقبل. وفي أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو الماضي، فرضت الحكومة التركية حملة تطهير واسعة، شملت الإطاحة بأكثر من 100 ألف مسؤول. وانتقدت الدول الحليفة لتركيا في الغرب النزعة السلطوية للحكومة التركية، مما يضيف إلى التوترات التي سببها توقف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة بشأن وصول تركيا إلى التكتل. وفي نوفمبر الماضي، رد أردوغان بغضب على الانتقادات التي وجهتها له بروكسل، مهدداً بتمزيق اتفاق اللاجئين الموقع في مارس 2016، والذي وافقت أنقرة من خلاله على منع تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وتم تسجيل أكثر من 2.7 مليون لاجئ سوري في الوقت الراهن داخل تركيا، ويشكل اندماجهم تحدياً كبيراً أمام الدولة التركية ومجتمعاتها المضيفة. وتوترت كذلك العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب التصعيد العسكري التركي ضد القوات الكردية المدعومة أميركياً في سوريا، وبسبب دعوة تركيا واشنطن لترحيل المدبر المزعوم للانقلاب الفاشل «فتح الله غولن». وتوصلت أنقرة إلى انفتاح غير مريح على موسكو، ودفع اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة، لوهلة، البلدين إلى التقارب. وتقلل أنقرة بشكل كبير من أهمية تحالفاتها الغربية، وتسعى إلى إجراء ترتيبات مع روسيا وإيران، غير أن تركيا وإيران لا تزالان في سياق مغاير يدعمه الاختلاف الكبير مع مواقفهما بشأن المصالح الجوهرية في سوريا والعراق. ثالثاً: اليمن تسببت جماعة «الحوثيين» في كارثة إنسانية في اليمن بمساعيها للانقلاب على الحكومة الشرعية في البلاد، ومحاربة نظام الرئيس عبدربه منصور هادي، ودفعت ببلد يعتبر الأفقر في العالم العربي، إلى حافة الهاوية. وثمة حاجة ملحة في اليمن حالياً إلى وقف لإطلاق النار وتسوية سياسية عاجلة. وقد عانى اليمنيون صعوبات هائلة بسبب تمرد جماعة «الحوثيين»، التي تشن هجمات عشوائية على مناطق مدنية. وحقق التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والداعم للشرعية في اليمن متمثلة في حكومة الرئيس هادي، انتصارات ميدانية كبيرة، في مواجهة الحوثيين الذين ينفذون أجندة إيرانية تهدف إلى التمدد في المنطقة. بيد أن المجتمع الدولي يأمل في التوصل إلى إقناع الأطراف بقبول تسوية سياسية لإنهاء الحرب. رابعاً: منطقة الساحل الكبرى وبحيرة تشاد أسهمت الصراعات المتداخلة في أنحاء منطقة الساحل الكبرى وبحيرة تشاد في معاناة إنسانية ضخمة، تشمل نزوح زهاء 4.2 مليون إنسان من منازلهم، بينما تتنافس الجماعات الإرهابية والمسلحة والشبكات الإجرامية على السلطة في أنحاء المنطقة الفقيرة، ذات الحدود المترامية الأطراف. وفي عام 2016، شنّ متطرفون يتخذون من منطقة الساحل هجمات قاتلة في غرب النيجر وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، وهو ما يبرز ضعف المنطقة. ولا يزال تنظيما «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«المرابطون» نشطين، بينما تزعم جماعة جديدة الارتباط بتنظيم «داعش». ويبدو من المرجح أنْ تواصل التنظيمات الإرهابية كافة هجماتها هناك، مستهدفةً المدنيين والقوى المحلية والدولية. وتعتبر المهمة في مالي هي أخطر مهام حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة، إذ قتل 70 جندياً جراء هجمات آثمة منذ عام 2013. ومن الممكن أن تواجه مالي أزمة كبرى خلال العام الجاري، في ظل تهديد بوقف تطبيق اتفاق «باماكو للسلام» الموقع في عام 2015. وقد أسهم تفكك تحالف المعارضة الرئيس في الشمال مؤخراً، وهو تنسيقية الحركات الأزوادية، في انتشار الجماعات المسلحة، وتفشي العنف في وسط مالي. وعلى القوى الإقليمية استغلال فرصة قمة الاتحاد الأفريقي الحالية، في أديس أبابا، من أجل إحياء عملية السلام المالية، وإشراك الجهات التي خرجت منها متظلمةً. وعلى الجزائر، الوسيط المهم في استقرار المنطقة، لعب دور أساسي، لا سيما أنها كانت وسيطاً رئيساً في اتفاق «باماكو للسلام». وفي بحيرة تشاد، صعّدت قوات الأمن التابعة لنيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد من حربها ضد تنظيم «بوكوحرام». وفي نهاية ديسمبر، أعلن الرئيس النيجيري سحْق إرهابيي «بوكوحرام» في جيبهم الأخير في غابة «سامبيسا»، بيد أن الجماعة لم تختف. وقد أدى خلاف بين القيادات إلى انقسام داخل الحركة الإرهابية، لكنها لا تزال مرنة وعدوانية. وفي حين تركز الانتباه الدولي على اختطاف «بوكوحرام» واعتدائه على الفتيات والنساء، ينبغي أن يساعد فهم تجارب النساء من زوايا مختلفة على وضع استراتيجيات للتعامل مع جذور التمرد. خامساً: جمهورية الكونغو الديمقراطية تلقت جمهورية الكونغو الديمقراطية بعض الأنباء السارة قبل وقت قصير من منتصف ليل رأس السنة الجديدة، عندما أعلنت الأبراشية الكاثوليكية أنه تم التوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية في البلاد. ولم يوقع الرئيس «جوزيف كابيلا» على الاتفاقية التي تنص على تنحيه عقب تنظيم الانتخابات قبل نهاية 2017. وعلى الرغم من انعدام الثقة بدرجة كبيرة بين الأطراف المتنافسة، فإن الصفقة التي توسطت فيها الكنيسة الكاثوليكية الكونغولية لا تزال الفرصة الأفضل من أجل المضي قدماً. والتحدي الأبرز حالياً يكمن في الإعداد للانتخابات والانتقال السلمي في غضون فترة قصيرة، وهو أمر يمثل الدعم الدولي القوي أساساً كبيراً له. وواجه تصميم «كابيلا» على التشبث بالسلطة لما بعد فترته الثانية، في تحدٍ للدستور الكونغولي، معارضة كبيرة وتظاهرات حاشدة في الشوارع طوال عام 2016، فيما يمثل تهديداً بانتشار مزيد من العنف في أنحاء البلاد. ويعني الفساد المستشري في الكونغو وسياسة استحواذ الفائز على كل شيء، أن حاشية «كابيلا» لديهم الكثير ليخسروه، لذا فإنهم لن يستسلموا بسهولة. وعلى القادة في الغرب وفي أفريقيا أن ينسقوا الجهود لسحب الكونغو بعيداً عن حافة الهاوية، وللحيلولة دون مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. وفي سبتمبر الماضي، قتل 53 شخصاً على الأقل، معظمهم من قوات الأمن الكونغولية، عندما تحولت مظاهرات ضد حكم «كابيلا» إلى العنف. وأدت مصادمات بين قوات الأمن ومحتجين في عدد من المدن، مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية في 19 و20 ديسمبر الماضي، إلى مقتل زهاء 40 شخصاً. ومن المرجح أن يستمر العنف إذا تم تأجيل الانتخابات مرة أخرى. ويتأهب تحالف المعارضة الرئيس في البلاد إلى تعزيز قوته في الشارع، في محاولة لإجبار «كابيلا» على الرحيل. سادساً: جنوب السودان بعد ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية، لا تزال أحدث دولة في العالم تئن تحت وطأة صراعات متعددة، لا سيما المظالم من الحكومة المركزية ودوائر العنف العرقي، التي تمثل وقوداً للاقتتال الداخلي، وأدت إلى نزوح 1.8 مليون شخص في الداخل، وأجبرت 1.2 مليون سوداني جنوبي على الفرار من البلاد. وثمة مخاوف دولية متزايدة حول تقارير بشأن انتهاكات جماعية وضعف التقدم على طريق تطبيق اتفاق سلام تم توقيعه في 2015. وفي ديسمبر الماضي، دعا رئيس جنوب السودان «سيلفا كير» إلى تجديد الحوار الوطني ووقف إطلاق النار بهدف تعزيز السلام والمصالحة. وسيعتمد نجاح هذه الجهود على رغبة الحكومة الانتقالية في التفاوض بإنصاف مع الجماعات المسلحة، والانفتاح على التعامل مع المجتمعات المهمشة على المستوى الشعبي. وقد حادت اتفاقية السلام المدعومة دولياً عن مسارها في يوليو 2016 عندما تأجج القتال في جوبا بين القوات الحكومية والمتمردين السابقين. وغادر زعيم المعارضة، الذي شغل منصب نائب الرئيس لفترة قصيرة، «رياك مشار»، إلى خارج البلاد بعد أن كان قد عاد إلى جوبا بموجب الاتفاق. ومنذ ذلك الحين، عزز «كير» وضعه داخل العاصمة ومعظم مناطق البلاد، وهو ما أوجد فرصة لتعزيز المفاوضات مع عناصر في المعارضة المسلحة، بما في ذلك مجموعات خارج الحكومة الانتقالية حالياً. وشهد الوضع الأمني في جوبا تحسناً ملحوظاً خلال الأشهر القليلة الماضية، على الرغم من استمرار القتال والعنف الإثني في أماكن أخرى. وتتركز جهود الدبلوماسية الدولية في نشر قوة حماية إقليمية قوامها أربعة آلاف جندي، بيد أن مثل هذه القوة لن تفعل سوى القليل للحيلولة دون اندلاع أعمال عنف كبرى، ولنزع فتيل أي أزمة سياسية عميقة من أجل تعزيز عملية السلام. وتحتاج قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان إصلاحاً عاجلاً، وهو أمر أضحى جلياً عقب فشلها في حماية المدنيين عندما اندلعت أعمال العنف في العاصمة جوبا في يوليو الماضي. وبصيص الأمل في مأساة هذه الدولة هو التقارب الحاصل بين جنوب السودان وأوغندا والسودان، والذي قد يساعد يوماً ما على ضمان استقرار أكبر. سابعاً: أفغانستان تشكل الحرب وزعزعة الاستقرار السياسي في أفغانستان تهديداً خطيراً على السلام والأمن الدوليين، بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على الإطاحة بحركة «طالبان» من السلطة على أيدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، في إطار حملة أوسع لهزيمة تنظيم «القاعدة». بيد أن «طالبان» تكسب أراضي من جديد في الوقت الراهن، وتتحمل هي وشبكة «حقاني» المسؤولية عن هجمات في مدن كثيرة. وزعم تنظيم «داعش» الإرهابي تنفيذه سلسلة من الهجمات يبدو أن الهدف منها هو إذكاء نيران العنف الطائفي. وسجل عدد المواجهات المسلحة العام الماضي أعلى مستوياته منذ أن بدأت الأمم المتحدة تسجيل الحوادث في عام 2007، والتي تسفر عن عدد كبير من الخسائر في صفوف المدنيين. وسيؤدي أي ضعف إضافي بين قوات الأمن الأفغانية إلى المجازفة بترك مناطق شاسعة خارجة عن سيطرة الحكومة، وهو ما يمكن أن تستفيد منه الجماعات المسلحة الإقليمية والمحلية. ويكاد يشار إلى أطول حرب أميركية باعتبارها مسألة سياسية أثناء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بينما لا تزال نوايا الرئيس دونالد ترامب بشأن أفغانستان غير واضحة، رغم أنه أعرب مراراً وتكراراً عن تشككه بشأن بناء الدولة هناك. وكان اختيار ترامب لمستشار الأمن القومي مثيراً للجدل، إذ عيّن الجنرال المتقاعد «مايكل فلين»، الذي عمل في السابق مديراً للاستخبارات في قيادة العمليات الخاصة المشتركة في العراق وأفغانستان. وسيكون محور التركيز، الذي أعلن «فلين» أنه سيكون «الإرهاب المتطرف» والذي يرى أنه التهديد العالمي الأكثر أهمية، بمثابة تشخيص خاطئ للمشكلة، وسيكون لذلك تداعيات في أفغانستان وخارجها، إذ سيتطلب الاتجاه الاستراتيجي بمرور الوقت مشاركة إقليمية أكبر، تتضمن انخراطاً صينياً. وفي هذه الأثناء، شكلت روسيا وباكستان والصين مجموعة عمل بشأن أفغانستان بهدف محدد هو إنشاء «هيكل إقليمي لمكافحة الإرهاب». وحتى الآن، ظلت كابول خارج المشاورات الثلاثية. ولطالما شهدت علاقات أفغانستان مع باكستان توتراً بسبب مزاعم مساندة إسلام أباد لحركة «طالبان» وجماعات مسلحة أخرى. وزادت التوترات الخريف الماضي مع اضطرار آلاف اللاجئين الأفغان في باكستان إلى الرحيل في خضم حالات العنف والاعتقال والمضايقات. وزادت أزمة اللاجئين الأفغان سوءاً بسبب خطة الاتحاد الأوروبي الرامية إلى ترحيل 80 ألف طالب لجوء إلى أفغانستان. وكل ذلك، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، يزيد الضغوط الهائلة على الحكومة الأفغانية الضعيفة. ثامناً: ميانمار وعدت الحكومة المدنية الجديدة التي تقودها، الحائزة جائزة نوبل للسلام «أونج سان سو كي»، بالسلام والمصالحة الوطنية كأولى أولوياتها، بيد أن اندلاع حالات العنف مؤخراً قوضت جهود إنهاء ما يقرب من 70 عاماً من العنف المسلح. وفي نوفمبر الماضي، نفذ «تحالف الشمال»، المكون من أربعة جماعات مسلحة هجمات مشتركة غير مسبوقة على أهداف عمرانية في منطقة تجارية رئيسة على الحدود الصينية، وهو ما أفضى إلى تصعيد عسكري في شمال شرق البلاد. ولا ينبئ ذلك بخير بالنسبة إلى التقدم في الجلسة الثانية من مؤتمر «بانجلونج» للقرن الحادي والعشرين المزمع عقده في فبراير، في إطار تجديد عملية السلام بهدف جمع الجماعات المسلحة الإثنية الكبرى في البلاد. وفي هذه الأثناء، يجذب مصير أقلية «الروهينجا» المسلمة اهتماماً دولياً متجدداً. وشهدت هذه الأقلية حقوقها تتلاشى على مدار السنين بصورة مستمرة، خصوصاً عقب أعمال العنف ضد المسلمين في ولاية الراخين عام 2012. واندلعت أحدث جولة من أعمال العنف بسبب سلسلة من الهجمات في أكتوبر ونوفمبر مستهدفةً شرطة الحدود والجيش في منطقة قريبة من الحدود الشمالية الغربية لميانمار مع بنغلاديش. وردت قوات الأمن بعنف شديد في حملة عسكرية لم تميز بين المسلحين والمدنيين، مع وجود اتهامات بعمليات إعدام خارج القانون وحالات اغتصاب وإحراق عمدي للممتلكات. وبحلول منتصف ديسمبر الماضي، قدرت الأمم المتحدة أن زهاء 27 ألف شخص من الروهينجا فروا إلى بنغلاديش. ووجه أكثر من 12 حائزاً لجائزة نوبل رسالة مفتوحة انتقدوا فيها «أونج سان سو كي» بسبب فشلها في رفض الانتهاكات والدعوة إلى حقوق مواطنة متساوية وكاملة للروهينجا. وعلى الرغم من أن «الروهينجا» لم يكونوا قط مجتمعاً متطرفاً، فإن الهجمات العسكرية العنيفة من قبل الحكومة تزيد خطر تفشي العنف، ومن الممكن أن يستفيد من هذه المظالم متطرفون عابرون للحدود يحاولون السعي لتنفيذ أجندتهم الخاصة، وهو ما من شأنه أن يؤجج توترات دينية في أنحاء البلاد ذات الأغلبية البوذية. تاسعاً: أوكرانيا بعد زهاء ثلاث سنوات من الحرب، وسقوط ما يناهز 10 آلاف قتيل، يحدد التدخل العسكري الروسي جوانب الحياة السياسية كافة في أوكرانيا. وتتجه أوكرانيا المقسمة بسبب الصراع، والضعيفة بسبب الفساد، إلى مزيد من الاضطرابات. وقد أعرب الرئيس ترامب عن إعجابه بإخافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكييف، مع وجود إشاعات بأن الولايات المتحدة قد ترفع العقوبات ضد روسيا في الأمد المتوسط. وقد توقف تطبيق اتفاق السلام الذي تم توقيعه في مدينة مينسك في فبراير عام 2015، وهو ما يدفع روسيا باتجاه اثنين من أهدافها في صراع أوكرانيا: تأسيس كيانات سياسية موالية لها في شرق أوكرانيا، وتطبيع عملية ضم شبه جزيرة القرم التي بدأت في عام 2014. وثمة تحرر من الوهم في أنحاء أوكرانيا تجاه القادة الذين جاؤوا إلى السلطة عبر مظاهرات «ميدان» في بداية عام 2014، لكنهم الآن يشبهون إلى حد كبير الأباطرة الذين أطيح بهم. وينحسر تأييد الغرب للرئيس «بيترو بوروشينكو» بسبب عدم رغبة كييف أو عجزها عن الوفاء بوعد الإصلاح الاقتصادي وبتنفيذ التدابير المناهضة للفساد. وربما تتفاقم مشكلات «بوروشينكو» إذا تم عقد انتخابات برلمانية مبكرة خلال العام الجاري، حيث يمكن للأحزاب الموالية لروسيا أن تكسب أرضاً. وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يضغطا بقوة على كييف من أجل تطبيق الإصلاحات، مع استخدام المساعي الدبلوماسية الحثيثة مع موسكو، والإبقاء على العقوبات. ويجب إقناع بوتين بأنه لا يمكن أن تكون هناك عودة للتطبيع في أوروبا طالما أبقى على أشكال متنوعة من الحرب المختلطة كي يظل الوضع في أوكرانيا غير مستقر. وترسل أساليب روسيا، التي تشمل استخدام القوة والهجمات الإلكترونية والدعاية والضغوط المالية، رسالة مرعبة في أنحاء المنطقة. عاشراً: المكسيك ربما يبدو من المحتمل حدوث توترات عالية المستوى بين الولايات المتحدة والمكسيك، في ظل مساعي الرئيس ترامب إلى تدشين جدار حدودي، وترحيل ملايين المهاجرين الذين لا يحملون وثائق، وإنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية «نافتا». وانتقد ترامب أيضاً المهاجرين المكسيكيين، ووصفهم بأنهم تجار مخدرات ومجرمون ومغتصبون. وفي محاولة مبدئية لتفادي أي مواجهة مستقبلية، دعا الرئيس المكسيكي، «إنريك بينا نيتو»، ترامب أثناء حملته الانتخابية لزيارة البلاد في سبتمبر الماضي، في تحرك كانت له ردود فعل سلبية لدى الشعب المكسيكي الغاضب من ارتفاع معدلات الجريمة والفساد وضعف الاقتصاد. ويدرك «بينا نيتو» أن بلاده ليس بمقدورها تحمل استعداء جارتها القوية. وتشير التقارير إلى أنه متروك للنخب السياسية والتجارية في المكسيك محاولة إقناع ترامب ومستشاريه بتعديل مواقفهم المعلنة تجاه الهجرة والتجارة الحرة. وإذا مضت الولايات المتحدة قدماً في سياسة الترحيلات الضخمة، فإن ذلك سينطوي على مخاطرة تأجيج أزمة أمنية وإنسانية أسوأ، خصوصاً أن المهاجرين واللاجئين من المكسيك وأميركا الوسطى يفرون هرباً من مستويات وبائية من العنف فضلاً عن الفقر المدقع في بلادهم. وقد أظهر استطلاع رأي في عام 2016 أن مستويات العنف المسلح في المكسيك والمثلث الشمالي أدت إلى مقتل 34 ألف شخص، وهو ما يزيد على عدد القتلى في أفغانستان خلال الفترة ذاتها. وسيؤدي تصعيد عمليات الترحيل وإغلاق الحدود إلى تحول المهاجرين من دون وثائق إلى قنوات أشد خطورة، وهو ما يفيد العصابات الإجرامية والمسؤولين الفاسدين. وستفعل الولايات المتحدة بنفسها خيراً إذا عززت شراكتها مع المكسيك لمعالجة الإخفاقات المنهجية التي تزيد من العنف والفساد! --------------------------- إطار: انقسامات في مواجهة الإرهاب! ولعل التفكك المحتمل للاتحاد الأوروبي هو واحد من أخطر التحديات التي تواجهنا في الوقت الراهن، وهي حقيقة باتت ضائعة في خضم كثرة التطورات المزعجة الأخرى التي تتنافس على جذب الانتباه. ولا يمكننا أن نتحمل خسارة صوت التوازن الذي تمثله أوروبا في العالم. وتحول المنافسات الإقليمية المتفاقمة المشهد العالمي أيضاً، كما يتضح من محاولة إيران التدخل في شؤون دول الجوار من أجل كسب النفوذ، وما لذلك من تداعيات خطيرة في كل من سوريا والعراق واليمن. ويزعم كثير من قادة العالم أن طريق الخروج من الانقسامات المتعمقة هو الوحدة حول هدف مشترك متمثل في محاربة الإرهاب، غير أن ذلك وهم: فالإرهاب مجرد تكتيك، ومحاربة التكتيك لا يمكن أن تحدد استراتيجية. وتستغل الجماعات الإرهابية الحروب وانهيار الحكومات لتعزيز سلطتها، وتزدهر على الفوضى. وفي نهاية المطاف، فإن ما يحتاج إليه النظام العالمي هو استراتيجية للحيلولة دون اندلاع الصراعات، تعزز بطريقة شاملة الحكومات التي تضطلع بالتنمية. ويحتاج النظام العالمي أكثر من ستار لحماية نفسه. جيان ماري جوهينو رئيس «مجموعة الأزمات الدولية»، وهو دبلوماسي فرنسي سابق ومسؤول شؤون حفظ السلام في الأمم المتحدة بين عامي 2000 و2008 يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفيس»