في 19 يناير، كانت قوات من غرب أفريقيا قد غزت جامبيا، لإجبار يحيى جامع على التخلي عن السلطة بعد هزيمته في انتخابات جرت في ديسمبر الماضي، وكان جامع قد رفض قبول الخسارة وتمسك بمنصبه، وبإعلان النتيجة بفوز المعارض «أداما بارو»، وبعدها بيوم سلم الرئيس الأميركي السابق أوباما الحكم بكل سلاسة لساكن البيت الأبيض الجديد ترامب، في مشهد يجسد جمال الديموقراطية، وقد وقف العالم مصغياً لخطاب دونالد ترامب بمناسبة تنصيبه لأنه لا يمثل شخصية نمطية ستحكم أميركا، ولم يخل خطابه من مفاجآت متوقعة منه، فكانت هناك عبارات مطاطية قابلة للتأويل إيجاباً أو سلباً منها قوله: «سنجعل أميركا عظيمة من جديد، وسوف نحدد مسار أميركا والعالم لعدة سنوات قادمة». وكي تكون أميركا أولاً، وعد ترامب بأنه سيعتمد «رؤية جديدة» للحكم في مجالات الضرائب والتجارة والهجرة والشؤون الخارجية. وبدلاً من شكر القيادة السابقة لأميركا كما هي العادة في دبلوماسية الرؤساء، شن الرئيس الأميركي في خطابه هجوماً على رجال السياسة في بلاده قائلاً: «السياسيون في بلادنا عاشوا برخاء لوقت طويل، بينما الوظائف تقلصت والمصانع أغلقت»، وكرجل اقتصاد ركز في خطابه على إعادة بناء الاقتصاد الأميركي ومعالجة المشكلات الرئيسة، فقال بكل صراحة: إن أي صفقة تجارية سيتم عقدها من الآن فصاعداً مع دول العالم، ستضع في الاعتبار الولايات المتحدة أولاً. ومن أكثر النقاط التي أثارت جدلاً واسعاً في العالم الإسلامي وعد الرئيس الأميركي الجديد باقتلاع «الإرهاب الإسلامي من على وجه الأرض»، فلأول مرة يصرح رئيس أميركي في خطاب تنصيبه بمثل هذه العبارة التي من أحسن الظن بها اعتبرها امتداداً لما تقوم به الدول العربية والإسلامية من حرب واضحة على الجماعات التكفيرية كـ«القاعدة» و«داعش» من أجل عودة السلام الذي هو شعار الإسلام، لكن هناك قراءة مخيفة أخرى لوعد ترامب، فهمها الناس عندما تأملوا في طاقمه القيادي المحيط به من أمثال Michael Flynn ، Stephen Bannon ، Mike Pompeo. من يعرف هؤلاء عن قرب يدرك أن عندهم هوساً من الإسلام Islamophobes، فإن كان أمثال هؤلاء سيقودون زمام الأمر في عهد الرئيس ترامب، سندرك عندها المصير الذي ينتظر العالم، وهذا ليس رأيي الشخصي، بل هو نتاج دراسات أميركية لمثل هذه الشخصيات المحورية، والقلق ساد العالم من هذه الأفكار كما عبرت عن ذلك «الجارديان» في مقال تناولت فيه «ناتالي نوجيريد»، تأثير تولي «ترامب» رئاسة الولايات المتحدة على حقوق الإنسان والحريات المدنية في العالم، وذكرت الكاتبة أن تولي «ترامب» الحكم يضعنا أمام أمرين: أولهما أن عبارة «حقوق الإنسان» نفسها معرضة للانقراض من التعاملات الرسمية، والأمر الثاني هو أننا نشهد صعود «مستبدين» إلى الحكم، ليس عن طريق الانقلابات والتسلط، وإنما عن طريق الانتخابات الديموقراطية، «فالمستبدون والشعبويون أصبحوا يحكمون لأن الشعب انتخبهم باختياره». القائد الجديد للولايات المتحدة بدأ في تنفيذ بعض وعوده الانتخابية كما رأينا في الأسبوع الماضي، وأبطأ الحراك في قرارات أخرى مثل نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، فكما قال «شون سبايسر» المتحدث باسم البيت الأبيض: «نحن في المراحل الأولى من عملية اتخاذ قرار نقل السفارة»، هذا الأمر إن تم، فإنه زيت يُضاف إلى المنطقة العربية المشتعلة، مما يجعل الفرصة سانحة لميلاد جماعات راديكالية جديدة في منطقتنا، فمن يستعرض تاريخ نشأة «القاعدة» و«داعش» يدرك أنهما نتاج سيناريو قد تم الإعداد له بدقة لتحقيق أهداف كبرى، فهل تحفظ المؤسسات الديموقراطية أميركا من الانزلاق في هذا المنحدر الجارف أم أن أميركا الجديدة أضحت مخيفة؟ د. خليفة علي السويدي* *أكاديمي إماراتي