عندما نراقب ما يحدث وما ويقال في الساحة السياسية الإسرائيلية منذ يوم الجمعة الماضي الذي تم فيه تنصيب الرئيس ترامب، يمكننا أن نرصد محورين تدور حولهما التفاعلات لدى القيادات الإسرائيلية، أولهما محور الاندفاع المبني على مشاعر الابتهاج والتفاؤل والاستبشار بالحصول على الضوء الأخضر الأميركي اللازم لتحقيق كل الأطماع التوسعية في الضفة والقدس الشرقية. والثاني محور التعقل وضبط النفس وكبح جماح الاندفاعات الحماسية التي يمكن أن تعقد العلاقات الخاصة مع إدارة ترامب. في يوم الأحد الماضي بدأت تظهر الاندفاعات المتهورة وذلك عندما تقدم نفتالي بينت زعيم حزب المستوطنين وهو «حزب البيت اليهودي» ووزير التعليم، بمشروع قرار ينص على ضم مستوطنة «معاليه أدوميم»، إلى الحكومة. كان بينت يعتقد أن الفرصة قد أصبحت سانحة لتنفيذ أطماعه التوسعية دون ضوابط أو قيود بعد رحيل أوباما الذي كان يعارض الاستيطان ويعتبره عملاً غير قانوني وعقبة في وجه السلام وحل الدولتين. غير أن بينت أصيب بصدمة وفوجئ عندما اكتشف من كلام نتنياهو أن لحظة الحرية المطلقة لنهش الأرض الفلسطينية لم تحن بعد رغم دخول ترامب إلى البيت الأبيض. قال نتنياهو إنه يشارك بينت طموحاته ووعد بأن يعمل في القريب العاجل على إزالة جميع العقبات السياسية التي تعترض حرية البناء الاستيطاني في القدس الشرقية وفي كتل المستوطنات في الضفة، لكنه أضاف أنه يطلب تأجيل الموافقة الآن على مشروع ضم مستوطنة معاليه أدوميم إلى ما بعد اجتماعه مع الرئيس ترامب لأن التوقيت غير مناسب خاصة أن الإدارة الأميركية الجديدة قد طلبت منه عدم اتخاذ إجراءات من جانب واحد. طبعاً اضطر بينت إلى كبح اندفاعه الحماسى والموافقة على مضض على فكرة التأجيل والتريث وحظي نتنياهو بصورة القائد الذي لا يفرط في الأطماع ولكنه يديرها بحكمة لكي يضمن عدم الاعتراض عليها من جانب الأصدقاء. لقد حصل نتنياهو لأول مرة على عبارات التقدير من جانب هرتزوج زعيم المعارضة وحزب المعسكر الصهيوني الذي بارك جهوده لكبح جماح اليمين المتطرف الذي يمكن أن يهدد العلاقة مع إدارة ترامب. كما تعززت قيمة موقف التعقل الذي قاده نتنياهو في الحكومة بعد أن جرت مكالمة تليفونية بينه وبين الرئيس ترامب في وقت لاحق يوم الأحد. وحرص نتنياهو على أن يوصل للجماهير الإسرائيلية صورته كقائد يجمع بين الحكمة والالتزام بالأطماع التوسعية على عكس الطائش بينت. فقد راح يتحدث في اليوم التالي (الإثنين) مع كتلة حزبه «ليكود» عن مكالمته مع ترامب وما دار فيها وما يجب استنتاجه منها، مؤكداً أن هذا الوقت لا يتحمل المفاجآت والاندفاعات غير المحسوبة. وقال: إننا أمام فرصة كبيرة وهامة لأمن إسرائيل، لكن أصدقاءنا يطالبوننا بالتحلي بالمسؤولية والتعقل حتى لا نهدر الوقت والفرصة. إن هذا التطور يفتح أمام المراقبين سؤالاً حول الحسابات الدقيقة التي تجريها إدارة ترامب حول عمليات الاستيطان، وهو سؤال لا يمكن أن يجيب عليه سوى بيان واضح من الرئاسة الأميركية حول رؤية ترامب الكاملة لعملية السلام الذي أكد خلال الحملة الانتخابيه أنه سينجح في تحقيقه على عكس من سبقوه.