ماذا يعني أن تكون إسرائيل يهودية؟ هناك إجابتان على هذا السؤال: الإجابة الأولى تتعلق بغير اليهود من العرب المسلمين والمسيحيين. والإجابة الثانية تتعلق باليهود العلمانيين غير المتدينين. بالنسبة للفئة الأولى، تقول الإجابة بصراحة وبوضوح إنه لا مكان لهؤلاء في دولة يهودية. وذلك ليس عملاً بقانون يمنع وجودهم. صحيح أن القانون غير موجود، ولكن النصوص التوراتية تلزم ذلك. والتوراة موجودة. واستناداً إلى كبير حاخاماتهم «عوفوديا يوسف» فإن التوراة تقول بتحريم بيع أو تأجير العرب بيوتاً أو محلات أو أراضي في إسرائيل. وهذا يعني تحريم مساكنتهم! وتطبيقاً لهذا النص التوراتي وقع أكثر من ثلاثمائة حاخام، هم من كبار موظفي الدولة في الشؤون الدينية، على عريضة نشرتها الصحف تشكل توجيهاً دينياً لعامة الإسرائيليين يدعونهم فيها للتعامل مع الفلسطينيين العرب كعناصر غير مرغوب فيها في المجتمع اليهودي. وجد اليهود العلمانيون في هذا التوجيه نوعاً من العنصرية الدينية التي تسيء إلى سمعة إسرائيل في العالم، ولذلك انتقدوها. ومن هنا كان المدخل إلى الإجابة الثانية حول معنى يهودية إسرائيل بالنسبة لهذه الفئة من الإسرائيليين. لقد صاغ هذه الإجابة الحاخام «عوفوديا» أيضاً، وفيها يقول: «إن التوراة تقول برفض اللاتوراتيين (من المسلمين والمسيحيين)، وإن التوراة لن تتغير كرمى لمجموعة من الإسرائيليين الذين لا يفهمون روح هذه التوراة وأحكامها. فلا الحاخامات سيسكتون ولا إسكاتهم سيغير الحقائق التوراتية، وهي أن اليهودية لا تقبل غير اليهودي». ويؤكد الحاخام أن «هذا هو الدين اليهودي، ونحن فخورون به». وقد أيده في ذلك المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية يهودا فاينشتاين، مما جعل هذا الموقف العنصري من عرب الأرض المحتلة موقفاً دينياً- حكومياً في الوقت ذاته. واستناداً إلى هذه الفتوى الدينية، قررت جامعة صفد طرد طلابها العرب. وتكاملاً مع هذا القرار، دعا حاخام المدينة إلى طرد العرب من مدينة صفد. فإذا كانت التوراة تحرم تأجيرهم أو بيعهم بيوتاً أو محلات أو أراضي فإن معنى ذلك تحريم بقائهم، وبالتالي فإن طردهم يكون امتثالاً للتعليمات التوراتية. وكذلك، ارتفعت دعوات تدعو إلى تجميع العرب داخل إسرائيل في معسكرات اعتقال جماعية لدى وقوع أي صدام أو خلاف حاد مع أي دولة عربية أو إسلامية، تمثلاً بما فعلته الولايات المتحدة مع مواطنيها المتحدرين من أصول يابانية إثر العدوان الياباني على «بيرل هاربر». وتقوم هذه الدعوة على أساس عدم الثقة بالعرب المسلمين والمسيحيين في إسرائيل الذين يرفضون إعلان الولاء لإسرائيل والتخلي عن قوميتهم العربية وعن وطنيتهم الفلسطينية، والذين يتمسكون بإيمانهم الديني الإسلامي أو المسيحي. وفي الواقع فإن المزيد من التهويد يعني المزيد من استضعاف القوى العلمانية في إسرائيل. والمزيد من استقواء رجال الدين وهيمنتهم على عملية اتخاذ القرارات السياسية. ونتيجة لذلك بدأ عدد المهاجرين العلمانيين إلى إسرائيل في الانخفاض بل الانحسار، مقابل ارتفاع حاد في نسبة المتدينين اليهود الذين يحملون أفكاراً إلغائية لكل من هو غير يهودي وبخاصة للمسلمين والمسيحيين. ومن شأن ذلك أن يسرّع في عملية التحول في إسرائيل من دولة لليهود كما أرادتها الحركة الصهيونية العالمية في عام 1897 (مؤتمر بال)، إلى دولة يهودية، كما تريدها الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تُعتبر أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً منذ عام 1948. وقد أدى ذلك إلى تبدل في طبيعة ديموغرافية الهجرة من وإلى إسرائيل. كان المهاجرون الأوائل يعتبرون الهجرة واجباً قومياً ودينياً مقدساً. هدفها العمل على تحقيق الحلم الذي طالما راود اليهود في شتى أنحاء العالم وهو أن تقوم لهم دولة. وكان الهدف الأساس والمباشر من الهجرة هو تعزيز هذه الدولة وتقويتها لتكون ملاذاً لهم إذا ما تعرّضوا مرة جديدة إلى الاضطهاد الذي ذاقوا مرارته على مدى حقب تاريخية متعددة من روسيا في الشرق حتى بريطانيا في الغرب. غير أن تحوّل إسرائيل من ملاذ آمن لشعب مضطهد إلى دولة عنصرية تضطهد الفلسطينيين أدى إلى أمرين: الأول حصول هجرة معاكسة من إسرائيل إلى الخارج، شملت نخباً فكرية وعلمية. والأمر الثاني هو تراجع حاد في نسبة الهجرة التلقائية من الخارج إلى إسرائيل، واتساع نسبة التهجير من الفئات العنصرية المتطرفة. وتبين الأرقام الإحصائية أن أكبر مصدرين للهجرة إلى إسرائيل هما أولاً روسيا (الاتحاد السوفييتي السابق)، ثم أميركا الشمالية. أما بقية المهاجرين فقد استقدموا إلى إسرائيل من فرنسا وبريطانيا وأميركا الجنوبية - خاصة الأرجنتين- وجنوب أفريقيا وإثيوبيا. لقد تعامل المجتمع الدولي مع إسرائيل منذ أن فرض قيامها في عام 1948 على أنها حالة استثنائية، وحتى عندما كانت إسرائيل تنتهك المواثيق الدولية وتضرب بقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط، وتمارس إرهاب الدولة على نطاق واسع، كان المجتمع الدولي يجد تبريراً لذلك في أن اليهود عانوا كثيراً وطويلاً من الاضطهاد، وأنهم يتصرفون بما يعكس مشاعر الخوف من الماضي والقلق على المستقبل.. غير أن التحول من الصهيونية العلمانية إلى اليهودية الدينية لا يوفر لإسرائيل سوى الجانب الوهمي من الاطمئنان على المستقبل والمصير.