أسئلة عديدة تُطْرح اليوم في دولنا العربية على مستوى دوائر صُنْع القرار، ومن خلال المراكز البحثية، تتجاوز التأسيس البحثي إلى التأصيل المعرفي والتاريخي، منها: ألا يُشكِّل حظر جماعة «الإخوان المسلمين»، واعتبارها جماعة إرهابية في بعض الدول العربية، والقبول بها في دول عربية أخرى تناقضاً في الموقف العربي العام؟ ومن هو على حق؟ هل الدول التي كشفت الوجه الحقيقي لـ«الإخوان»، أم تلك التي تدعو للتعايش معها وعدم إقصائها؟ إجابات الأسئلة السابقة، وحتى غيرها مما قد يخطر على ذهن القارئ والمراقب والباحث، جاءت في محاضرة ألقاها الدكتور علي جمعة‏، مفتي الديار المصرية السابق، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ‏ خلال ختام مؤتمر «العالم ينتفض.. متحدون في مواجهة التطرف»، الذي نظمته مكتبة الإسكندرية في الفترة من 17 إلى 19 يناير الجاري، بمشاركة باحثين ومفكرين وخبراء دوليين متخصصين في قضايا التطرف. لقد ذهب علي جمعة إلى القول: عندما ظهرت «الجماعة الإرهابية» -يقصد جماعة «الإخوان»- منذ عام 1928 وحتى يومنا هذا، انفجر وانفرط منها كل بلاء نعيشه اليوم، لأنها أنشأت ديناً موازياً، ودولة موازية، مما أدّى إلى الفتنة التي نتعامل مع نتائجها اليوم، وأنه عندما خرجت الجماعة من تحت القبضة الحديدية في السبعينيات من القرن الماضي، كان هناك في القاهرة وما حولها نحو 200 جماعة إسلامية عاملة نشأت على أفكار سيد قطب وابن تيمية وحسن البنا وغيرهم، تبنّت تلك الجماعات 200 فكرة مختلفة كان يجب دراستها في حينها للرد على هذا «البلاء المستحكم»، وتفكيك الأفكار التي تتبنَّاها تلك الجماعات. خلال العقود التسعة الماضية، بنت الجماعات الإسلامية أفكارها على عشرة أصول في اتهام مخالفيها، هي:«العمالة للاستعمار، العمالة مع الصهيونية، الولاء المطلق للنظام، الوقوف ضد وحدة العرب، افتقاد العدالة الاجتماعية، الحكم بغير ما أنزل الله، عدم فهم التوحيد والولاء والبراء، نكران الخلافة، نكران الاجتهاد في الدين، نكران التمكين والنصرة». على خلفيَّة تلك الأصول وهي حمّالة أوجه، وتشكل كل مناحي الحياة ترى الجماعات الإسلامية مخالفيها، وبقناعاتها تلك وفعلها الإجرامي تُشكِّل خطراً على الدين وعلى الدولة والمجتمع، وأنها -كما ذكر علي جمعة- «تتوزع ما بين أربع دوائر رئيسية متداخلة، تبدأ بدائرة التشدد، تليها دائرة التطرف، ثم دائرة العنف، والتي يأتي من داخلها دائرة الإرهاب»، لذلك علينا القيام بثورة ضد تلك الدوائر جميعها، والبداية من الفكر، مع أن التجارب أثبتت أن المراجعات الفكرية في مصر وليبيا لم تتمكّن من القضاء على الفكر المتطرف، وإن كانت غيَّرت من توجه بعض العناصر وإدماجهم في المجتمع، ولهذا يلتقي علي جمعة في طرحه مع استراتيجية بعض صانعي القرار القائمة على ثلاثية: إحكام القبضة الحديدية، وتفعيل القانون، ومراجعة المناهج التعليمية. بناءً عليه، فَلْنُحارب الجماعات الإرهابية على مختلف الجبهات، وذلك بمواجهة الدوائر الأربع مجتمعة، وليتحمّل كلٌّ منا مسؤولياته تجاه دينه ونفسه ووطنه، ولا ينتظر تحقيق الأهداف المرجوة في وقت قصير، لأن الداء الإجرامي من تلك الجماعات استفحل في دولنا وأخذ بُعداً عالمياً، والدواء في المواجهة مع الصبر، وقد تطول لسنوات، ولكن بالتأكيد ستكون أقل من العقود التي مضت، وتجربة التطرف في عوالمنا الإسلامية وعلى مدى قرون، أنهت التطرف وأبقت الاعتدال، ومقاومتنا اليوم دليل على جدوى الحوار والوسطيّة. خالد عمر بن ققه* * كاتب وصحفي جزائري