منذ أن دشن الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت «الصفقة الجديدة»، والأميركيون يعتقدون أن مئة يوم الأولى لأي رئيس جديد حيوية لأنها فترة وئام يفعل فيها الكونغرس كل ما يريده الرئيس. لكن في العقود في الأخيرة، أصبحت الخمسون يوماً الأولى هي الفترة التي تحدد معالم الإدارة، والتي يتمتع فيها البيت الأبيض بأكبر درجة من حرية التصرف للعمل بكامل إرادته لتحويل الحكومة في اتجاهه المفضل. لكن بعد شهور قليلة، تتباطأ حركة هذا الإيقاع ولأسباب يصعب التعرف عليها. وأسعدني الحظ أن عملت في السنة الأولى من إدارتي ريجان وأوباما، في الأولى كمحامٍ صغير وفي الثانية في منصب أكبر بكثير. وتفصل بين الإدارتين 30 عاماً، لكن النموذج متطابق. ففي نهاية يناير، يضطلع عدد صغير من المسؤولين بمناصبهم ويتبنون خططاً جريئة بإصدار قرارات تنفيذية ومذكرات تفاهم رئاسية جديدة وعمليات جديدة ويبدؤون عملية تحول جذرية عن المناهج السابقة. فمثلاً بحلول نهاية فبراير 1981، كان ريجان قد أصدر ما لا يقل عن تسعة أوامر تنفيذية، وبحلول نهاية فبراير 2009، أصدر أوباما 17 قراراً تنفيذياً. وهذه الأرقام تقدم لمحة فحسب عن مدى السرعة والجذرية التي يعاد بها توجيه سفينة الدولة في الأسابيع الأولى للإدارة الجديدة. لكن بعد شهور قليلة يحدث أمران، أولهما: يتزايد عدد التعيينات الرئاسية بشكل كبير، ويتزايد الطابع الرسمي لعملية اتخاذ القرار. كما يتزايد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الاعتراض أو على الأقل تقييد ما يفعله البيت الأبيض. وهذه فكرة ممتازة للفرع التنفيذي لأنها تقلص احتمالات الخطأ. فإذا لم ترق للوزارة فقرة أو عبارة أو اعتقدت أن الفكرة برمتها حمقاء، قد تتصدى لأمر تنفيذي حتى لو كان الرئيس متحفزاً له. صحيح أن الرئيس أو كبير موظفي البيت الأبيض يمكنه الإصرار على السير في اتجاه معين. لكن ليس من الحصافة الضرب بعرض الحائط رأي أحد الأشخاص في حكومته، وبدلاً من التجاوز تجري المناقشة التي تعرقل العمل، وقد تؤدي إلى تخلي الأشخاص عن الفكرة والانتقال إلى أولويات أخرى. الأمر الثاني هو أن أهمية الخدمة المدنية تبدأ في الظهور. ففي الأسابيع الأولى، قد يكون الرئيس الجديد وفريقه متشككين في من عملوا مع سلفه. ومع مرور الأسابيع يتغير هذا. ويصبح الموظفون المدنيون من فريق الإدارة الحالية وليس من فريق الإدارة السابقة. والإدارة الجديدة تكتشف أن الموظفين المدنيين يعرفون أكثر مما تعرف، ويدهشها أنهم ليسوا موظفين سياسيين، بل موظفون يتبعون الأوامر في نهاية المطاف، لكنهم يقدمون ملاحظات مهمة وتنبيهية وداعمة مما يؤدي إلى كبح سرعة الإدارة الجديدة. إن عملية الاستقطاب السياسي كفت بصرنا عن هذه الأسباب. وسواء أكان التغيير واسع النطاق فكرة جيدة أم لا، فإن الموظفين المدنيين يمثلون قوة استقرار. وهذا ليس لأنهم متشبثون بما هو قائم، بل لأنهم يتمتعون برؤية ذات صلة بالإدارة ويصبح من الضروري الاستعانة بآرائهم. وكما حدث في إدارتي ريجان وأوباما، يتحرك فريق ترامب بسرعة شديدة من أجل إعادة توجيه مسار سياسة الفرع التنفيذي. وبعد الطابع غير المسبوق لحملة ترامب لا يستطيع أحد أن يستبعد احتمال أن يصبح البيت الأبيض شيئاً لم نعهده من قبل. كاس صنشتاين محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»