بريطانيا تختار «الخروج الصعب».. وأميركا تدخل عهد ترامب! لوموند نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «بريكسيت قاسٍ.. بالنسبة للإنجليز»، ردت فيه على تصريحات أطلقتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي يوم الثلاثاء الماضي، وأشارت خلالها إلى أن طريقة الخروج البريطانية المتوقعة من الاتحاد الأوروبي بات من الوارد أن تجري وفق تدابير صلبة وإجراءات صعبة، وفق ما يسمى «البريكسيت الصلب» أو القاسي! وفي هذا السياق، قالت الصحيفة إن ماي حاولت الإيحاء بأن مساعيها خلال لقاءاتها السابقة مع الشركاء الأوروبيين لانتزاع شروط انسحاب إيجابية لبريطانيا، قد تكللت بالانتصار، في حين أنها في الحقيقة منيت بالهزيمة، ولم تستطع اجتراح أي تنازل من الزعماء الأوروبيين، الذين ما زالوا محافظين على وحدة الموقف من محددات العلاقة مع المملكة المتحدة في مرحلة ما بعد الخروج! وهي علاقة ستكون صعبة إن لم توافق على شروطهم الأساسية، التي ترفضها ماي، وأولها حرية تنقل المواطنين الأوروبيين -وهذا شرط ملزم لكل من يريد الاستفادة من مزايا النفاذ إلى السوق المشتركة- وكذلك الاعتراف بسلطة محكمة العدل الأوروبية، كما أنها أقل قبولاً للمساهمة في تمويل السياسات الأوروبية. والحال أن ماي المحافظة، والوفية لتعهداتها خلال حملة الاستفتاء، للناخبين الإنجليز الرافضين للمشروع الأوروبي، لا تخفي عدم استعدادها للتنازل في أي من هذه الأمور، في مقابل تصلب وتشدد الموقف القاري الأوروبي أيضاً وعدم استعداد قادة الاتحاد للتراجع عن أي من هذه الشروط. وبالنتيجة، فسيكون على ماي الاختيار في النهاية بين أمرين: خروج كامل دون أية مزايا شراكة خاصة للبريطانيين، شأنهم في ذلك شأن أي دولة أخرى من العالم، أو الإذعان للشروط الأوروبية الأساسية، حتى لو أغضب ذلك ناخبي الاستفتاء الناقمين الذين أرادوا الخروج وصك الباب وراءهم بشكل عنيف، وبلا خط رجعة. بل إن وضع بريطانيا في علاقاتها التجارية مع الاتحاد في حال الخروج الصلب، أو الصعب، سيكون أقل من مستوى الشراكة مع تركيا؛ لأن أنقرة على الأقل عضو في الاتحاد الجمركي، في حين لن تكون لندن كذلك، وبالتالي سيصبح موقفها في السوق الأوروبية شبيهاً بموقف أية دولة أخرى عضو في منظمة التجارة العالمية. وهذا ما أظهره الأوروبيون بصراحة من خلال موقفهم المتشدد تجاه ماي في المجلس الأوروبي في شهر ديسمبر الماضي. ومن هنا، فإن الإنجليز لن يجدوا أنفسهم فقط خارج السوق الأوروبية -التي تتيح حرية حركة السلع والأموال- وإنما أيضاً سيكونون خارج الاتحاد الجمركي -الذي يضع تعريفات جمركية خارجية موحدة- ولن يكون أمامهم سوى البحث عن طرق لتوقيع اتفاقات جمركية فردية مع بعض البلدان الأخرى كالولايات المتحدة مثلاً. ولكن أنصار «البريكسيت» في بريطانيا، ومعهم صحافة بلادهم، يبدون الآن متحمسين لوعود ماي، ولا يدركون مدى القلق الراهن في سكوتلندا وإيرلندا، اللتين يتوقع أن تكونا هما الأكثر تضرراً من انسداد فرص النفاذ إلى السوق الأوروبية. وفي الأخير قالت الصحيفة، إن الوقت يلعب الآن ضد مصلحة ماي، في وقت ما زال فيه مؤيدوها يمنون أنفسهم بالحصول على حزمة من المزايا الإيجابية في الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الخروج، على رغم تصميم أوروبا القارية علي تطويع المفاوضين الإنجليز وجعلهم يوقعون على ما يشبه الإملاءات الأوروبية القاسية. وفي النهاية، ستجد ماي نفسها في موقف صعب إن لم يتغير موقفها، عندما يتم تفعيل المادة 50، في شهر مارس، وسيأخذ بلدها طريق الخروج النهائي المتوقع استكماله في عامين، ليصير في علاقاته مع أوروبا كأي بلد آخر من العالم. لوفيغارو بمناسبة تسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مهام منصبه نشر الكاتب اليميني إيفان ريوفول مقال رأي في صحيفة لوفيغارو تحت عنوان: «تأثير ترامب، أو نهاية النوايا الطيبة»، تحدث فيه بنبرة تأييد إيجابية عن ساكن البيت الأبيض الجديد، مؤكداً أن اليسار الأخلاقي، الذي ما زال يرفض الاعتراف بهزيمته، بدأ الآن يكشف عن روح عدم التسامح التي كان يخفيها خلال فترة تصدره المشهد، وذلك من خلال ما عرفه هذا الأسبوع من حملات شعواء ومواقف سلبية ضد الرئيس ترامب، حيث نظمت تظاهرات مناهضة له في واشنطن، قبيل تنصيبه يوم أول من أمس (الجمعة). كما لا يخفي أيضاً الإعلام اليساري في غالبه استمراره في الحملة المناهضة لترامب، مع أن فوزه تحقق على رغم دعاية هذا الإعلام نفسه التي بلغت خلال الحملة الانتخابية درجة غير مسبوقة من التصعيد والشخصنة والاستهداف. وليس هذا فحسب، بل إن بعض الفنانين عبروا عن عدم رغبتهم في الغناء في حفل تنصيب ترامب، وقال مصممو أزياء إنهم لن يتولوا تصميم أزياء السيدة الأولى الجديدة، ميلانيا. وفي الوقت ذاته، طلب رسامون من إيفانكا، ابنة ترامب، تنزيل لوحاتهم من على جدران بيتها! والغريب أن كل هذا يقع في بلاد الديمقراطية، حيث بات خيار الشعب وكبار الناخبين -يقول الكاتب- محل رفض من قبل طبقة -يسارية- مقتنعة بتفوقها على بقية الناس! وما جرى في أميركا منذ انتخاب الرئيس ترامب من غطرسة اليسار وتشنجه الشديد، يمكننا أن نقيس عليه ما يمكن أن تعرفه فرنسا أيضاً هذا العام لو فازت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن في الاستحقاق الرئاسي، إذ سنرى الأعراض والتداعيات ذاتها في فرنسا أيضاً، بل ستكون أكثر حدة وشدة دون أدنى شك. فالديمقراطية في مفهوم قوى اليسار هي فقط العملية السياسية التي توصل ساسته ومرشحيه للزعامة، وأما إن فاز غيرهم فلا ديمقراطية، ولا عبرة برأي الشعب، حيث تبدأ الأقنعة في التساقط، الواحد بعد الآخر! ليبراسيون وضمن موجة ردود الفعل أيضاً على تسلم ترامب منصبه، نشرت صحيفة ليبراسيون اليسارية مقالاً للأكاديمي ديدييه فاسين، أستاذ العلوم الاجتماعية في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون، تحدث فيه عن مدى التغير الممكن، في خطاب ترامب بعد استلامه الرئاسة، مؤكداً في هذا الصدد أن ما يثير قلق كثير من المراقبين والمنتقدين للرئيس الجديد هو ما يتعلق بعنصري الكفاءة والخبرة خاصة، وليس بالضرورة طبيعة الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، ولا توجهات الجمهور المحافظ الذي حمله للرئاسة. وقد قيل الكثير حتى الآن عن النزعة الشعبوية، وعن ثورية ترامب المناهضة المؤسسة السياسية، وخروجه عن خطوط الطبقة السياسية التقليدية، وهو في هذا مشابه للمترشح الديمقراطي السابق بيرني ساندرز. وقيل أيضاً إن الرئيس الجديد لا يميز كثيراً، بشكل واضح، بين الممتلكات العامة وأعماله الخاصة! إلا أن الأسلوب الصريح والفج أحياناً، وانعدام الخبرة هما المشكلة الأكبر، في النهاية. كما تردد أن ترامب لا يستطيع التركيز على موضوع معين أكثر من دقائق معدودة، ولذلك كان عادة ما يحيل ملفاته وقضاياه المهمة على أبنائه ومعاونيه لدراستها، وحتى خلال خطاباته كان كثيراً ما يستشهد بمساعديه طالباً منهم تزكية أقواله. ومن هنا، فإن الأكثر إثارة للقلق ليس السياسات التي سيتبعها؛ لأن هذه تحددت ملامحها سلفاً بوضوح من خلال طبيعة التعيينات التي اختارها، وإنما تكمن المشكلة في طبيعة الرجل نفسه، وما يمكن أن يفعله. إعداد: حسن ولد المختار