فيما كان الرئيس المنتخب دونالد ترامب يتأهب لتولي رئاسة الولايات المتحدة، كانت الرؤية تتضح قليلاً بالنسبة لنيودلهي فيما يتعلق بالاتجاه الذي ستسلكه علاقاتها مع الولايات المتحدة. وفي أحد المؤشرات على الاتجاه الذي ستمضي فيه هذه العلاقات تحت إدارة ترامب الغامضة، أكد المرشح لتولي منصب وزير الدفاع، الجنرال «جيمس ماتيس»، على مستقبل العلاقات الأميركية مع الهند، واصفاً إياها بأنها «ذات أهمية قصوى». وأوضح الجنرال «ماتيس» أن «هناك مجالاً كبيراً أمام البلدين لمواصلة تعزيز علاقات الدفاع من أجل تحقيق علاقة استراتيجية طويلة الأمد مع نيودلهي، على أساس تقارب المصالح والقيم الديموقراطية المشتركة». يذكر أن العلاقات بين الهند والولايات المتحدة قد شهدت تحسناً في السنوات الأخيرة على خلفية قوة الصين المتزايدة، والتي تشكل منطقة قلق لكلتا الدولتين. وقد جعل رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» مسألة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أولوية بالنسبة لسياسته الخارجية، ليتخلى عن الموانع السابقة التي كانت تعتبر الهند من بقايا الحرب الباردة. وفي ظل احتضان العلاقات مع الولايات المتحدة، تخلص «مودي» من كل الترددات. ولم تكن هناك فقط زيارات منتظمة ورفيعة المستوى بين الدولتين، بل إن البلدين كشفا أيضاً عن رؤية مشتركة بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي والممرات الجانبية التجارية البحرية المهمة. ولا شك أن هناك تقارباً تاماً بين الدولتين بشأن الاعتراف بأن توثيق العلاقات بينهما سيكون مفيداً للطرفين. ونظراً لأن هذه العلاقات تحظى بدعم الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي» ولا تزال متجذرة في المصالح الاستراتيجية المشتركة، لا سيما على خلفية تزايد قوة الصين، فبالتالي يبدو أنه ستكون هناك استمرارية في العلاقات الأميركية – الهندية في ظل الإدارة الجديدة. وتوضح التصريحات الأولية لفريق ترامب أن من يتولى السلطة، أياً من كان، سيدرك ميزة الحفاظ على شراكة استراتيجية مع الهند. ومن ناحية أخرى، فإن كلاً من الهند والولايات المتحدة ترى بوضوح أن أكبر عقبة في طموحاتهما بالنسبة للتفوق في المنطقة هي الصين. وفي ظل هذا، شهدت العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والهند توسعاً مع قيام نيودلهي بشراء أسلحة بقيمة 9 مليارات دولار من واشنطن خلال العقد الماضي، وذلك بهدف تحديث جيشها وسد الفجوة في استعدادها الدفاعي حيث يرجع هذا جزئياً إلى النفوذ العسكري المتزايد للصين. وبالفعل، وقعت نيودلهي وواشنطن «الرؤية الاستراتيجية المشتركة» لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي والتي تدعم حرية الملاحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتخطط لتطوير خريطة طريق لمساعدة الدولتين على «الاستجابة بشكل أفضل» لـ«التحديات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة». وفيما يتعلق بالتعاون العسكري، فإن الهند تتطلع إلى نقل التكنولوجيا المتطورة بينما تحرص الولايات المتحدة على الاستفادة من الفرص المتاحة في سوق الدفاع الهندي. وكل هذا يحدث فيما تعرب الهند والولايات المتحدة عن عزمهما زيادة التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ونظراً لإمكانية مواصلة العلاقات بين الدولتين، فإن القضية التي تمثل مصدراً كبيراً للقلق تتمثل في الحظر المقترح لتأشيرات العمل «إتش- وان بي» و «إل وان» (H-1B) و (L1)، والتي يستخدمها المتخصصون في تكنولوجيا المعلومات في الهند وتأكيد ترامب على الاتجاه نحو مزيد من الحمائية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تم منح أكثر من 70 في المائة من هذه التأشيرات لعمال هنود، ما يمثل أمراً حاسماً لعمليات الشركات الهندية في الولايات المتحدة. وقد كان الحد من عدد العمال الأجانب القادمين إلى الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من الخطاب الانتخابي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الواضح أن دونالد ترامب، الذي جاء إلى السلطة على خلفية وعود بخلق فرص عمل والحد من العمالة الأجنبية، جاد بشأن الحد من دخول العمال الأجانب إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي من الواضح أنه سيؤثر على الشركات الهندية الشهيرة مثل «إنفوسيس» و«ويبرو». ومن الواضح أيضاً أن إدارة ترامب سيكون لها نصيبها من الإيجابيات والسلبيات بالنسبة للهند. بيد أن المعادلة المتغيرة بين الولايات المتحدة وروسيا وأيضاً بين الولايات المتحدة والصين لديها كل الإمكانات لنظام عالمي متغير، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير على الهند. *مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي