بعد انتهاء مؤتمر باريس للسلام تنفست حكومة إسرائيل الصعداء، وتقول الصحف الإسرائيلية، إن حكومة نتنياهو تشعر بالارتياح بعد الاطلاع على بيان المؤتمر لسببين: الأول، أنه لم يتضمن هجوماً قاسياً على مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة، كما فعل قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي اعتبر الاستيطان أمراً غير قانوني، وأنه بمثابة العقبة الرئيسة التي تهدد حل الدولتين، والسبب الثاني، أن بيان مؤتمر باريس لن يتحول إلى قرار جديد في مجلس الأمن ضد إسرائيل. تشير الصحف الإسرائيلية أيضاً إلى تصريحات أدلت بها بعض عناصر الحكومة وتفيد بأن الضغوط التي مارستها إسرائيل على الدول المؤثرة في المؤتمر كانت السبب في تخفيف لهجة البيان واقتصاره على تأكيد أهمية حل الدولتين ومطالبته الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالامتناع عن القيام بإجراءات من جانب واحد. ومن اللافت للنظر أن الحكومة الإسرائيلية كانت قبل انعقاد المؤتمر في أشد الغضب تجاه جون كيري، وكانت تخشى الدور الذي كان يمكن أن يقوم به في تصعيد موقف المؤتمر ضد الاستيطان الإسرائيلي، وهو ما حدث عكسه تماماً بعد المؤتمر، حيث اكتشفت إسرائيل أن كيري راح يطمئنها إلى أنه يعمل على تخفيف لهجة البيان، كما يعمل على عدم صدور قرار جديد من مجلس الأمن. قبل انعقاد المؤتمر، شن نتنياهو هجوماً شديداً على فكرة المؤتمر، وعلى الفلسطينيين وفرنسا، ووصف المؤتمر بأنه خديعة فلسطينية ضد إسرائيل برعاية فرنسية، وبعد انتهاء المؤتمر صمم على الاستمرار في مهاجمته، فوصفه بأنه مؤتمر عبثي. نتنياهو ينتظر بزوغ عالم ترامب وسياساته واثقاً في أنها ستلائمه، ولذا يصف المؤتمر بأنه ينتمي إلى عالم الماضي الذي مات، ويضيف أن المستقبل سيكون مختلفاً، وهو يقصد هنا مواقف ترامب المؤيدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية على عكس بيان كيري الذي حمل على الحكومة الإسرائيلية بشدة ووصفها بأنها الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وعلى عكس قرار مجلس الأمن الذي صدر ضد الاستيطان. قال نتنياهو أيضاً، إن المؤتمر تم تنسيقه بين فرنسا والفلسطينيين بقصد فرض شروط على إسرائيل لا تناسب احتياجاتها الوطنية، وأنه يؤدي إلى إبعاد فرص السلام لأنه يشجع الفلسطينيين على التشدد في مطالبهم. على عكس نتنياهو، عبر إسحق هرتزوج زعيم المعارضة الإسرائيلية، عن رأيه قائلاً إنه كان يفضل أن تحضر إسرائيل المؤتمر، وكان على نتنياهو أن يذهب إلى باريس ليعرض خطته للسلام بدلاً من أن يلجأ للهروب من ساحة المعركة. طبعاً تظهر الأوساط الحكومية الإسرائيلية عدم ارتياحها من موقف وزير الخارجية الفرنسي الذي أدلى بتصريح للقناة الفرنسية الثالثة على هامش المؤتمر، قال فيه إن مشروع الرئيس الأميركي المنتخب لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ستكون له عواقب خطيرة. هنا يخشى المسؤولون أن يتأثر ترامب بمثل هذه التصريح الفرنسي، وبالتصريحات المماثلة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي حذّر فيها ترامب من نقل السفارة، ومن النتائج الخطيرة المتوقعة لهذا العمل، والتي ستكون مدمرة للسلام ولحل الدولتين وأمن المنطقة واستقرارها. لهذا نجد الوزير المقرب من نتنياهو، تساحي هنجبي، يطلق بياناً يطمئن به ترامب ويعتبر تلك التحذيرات جوفاء، ويقول إن الفلسطينيين لا يملكون أي وسيلة تمنع ترامب من نقل السفارة، متسائلاً: ما الذي يمكن للفلسطينيين القيام به؟ ليجيب بالقول إنه متأكد من أنه لن تكون هناك أية عواقب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس. السؤال هو: هل يأتي عالم ترامب الحقيقي الذي ينتظره نتنياهو مواتياً لليمين الإسرائيلي، أم لمقتضيات السلام؟ لن يمر وقت طويل حتى نعلم الإجابة.