في الوقت الذي تواجه فيه دول الخليج العربي تحديات عديدة ويتعرض أمنها القومي لتهديدات من قوى أجنبية وإقليمية مدفوعة بطموحاتها التوسعية ذات القالب العقائدي المتشدد والأيديولوجي الحاد الهادف إلى العبث بأمن المنطقة وتمزيق وحدتها وتماسكها ونشر الفوضى والاضطراب والفتنة الطائفية فيها.. في هذا الوقت بالذات ظهرت بعض الأقلام، وهي قلة على كل حال، بكتابات تعاكس التوجهات السياسية التي يتحرك من خلالها قادة دول الخليج لمواجهة هذه التهديدات، وهو التحرك الذي تجسد في «عاصفة الحزم» التي تصدت للمشروع الإيراني التوسعي ونواياه الصفوية حيال العرب، مما أعطى للأمة روحاً جديدة. هذه الكتابات تعكس شعوراً بالعداء والكراهية للمواقف السياسية الخليجية تجاه إيران، لذلك فهي تقترب في نصوصها مما يفعله «الطابور الخامس» في أي دولة تواجه تحديات خارجية. أما هدفها فهو ليس كما يصرح هؤلاء الكتاب، إيجاد آراء جديدة أو تحليلات مختلفة، بل هدفها الحقيقي هو إبعاد الأنظار عن المخططات والمشاريع التوسعية الإيرانية المعدة لاستهداف أمن دول الخليج العربي، والتشويش على العقول وخلق حالة من الشلل والعجز عن التفكير، حتى يمارس الطرف الآخر دوره التوسعي، ويكون الجميع مهيأً لتقبل الفكرة الإيرانية حول المنطقة. فما الذي يجعل أحد هؤلاء الكتاب مثلاً يصر في كتاباته على أن لا يضيف بجانب اسم «الخليج» صفة «العربي»؟ ألا يعني ذلك أنه يرفض الاعتراف بعروبة الخليج العربي الذي وُلد وعاش فيه وأكل وشرب من خيراته؟ ألا يعني أنه يؤكد صراحةً ما تدَّعيه إيران الفارسية الصفوية من أن هذا الخليج ليس عربياً وإنما فارسي؟ كما يصر كاتب آخر على القول في كل مناسبة بأن إيران جارة مسلمة مسالمة ليست توسعية ولا تهدد أمن دول الخليج العربي. ويقول آخر إن على رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد، دونالد ترامب، أن يرفض إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لأن قادتها مجموعة من العقلاء والحكماء الذين ينشرون الأمن والاستقرار في المنطقة منذ قيام الثورة الإيرانية! والسؤال المهم هنا هو: ألا يعرف هؤلاء الكتاب أن إيران تحتل جزر الإمارات الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، وأن لديها مخططاتها ومشاريعها التوسعية السرية التي تنظِّر إلى دول الخليج العربي على أنها جزء لا يتجزأ من الحدود الإيرانية، وأنها تؤكد هذا الزعم في خرائطها الجغرافية وخططها الخمسية التي تدعم حالة الاضطراب في المنطقة؟ «يحيى رحيم صفوي»، المستشار العسكري لمرشد الثورة الإيرانية، ربما كان أحد أكثر المسؤولين الإيرانيين صراحةً، وذلك حين زعم علناً أن حدود إيران الحقيقية ليست كما هي عليه الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني! كما ادَّعى مُنظِّرهم «حلنجي ميرزا»، أنه من الثابت لدى جميع الحكومات الإيرانية المتعاقبة أن الخليج، بجميع جزره وموانئه، ودون استثناء، ينتهي إلى فارس! ألم يسمع بعض الكتاب الخليجيين ما قاله قادة إيران من أن أربع عواصم عربية تدور في الفلك الإيراني حالياً، وأن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية؟ ألا يرون تدخلاتها المستمرة في شؤون الدول الخليجية؟ ومما يلفت النظر صمت كثير من الكُتاب عن الإشارة ولو بحرف واحد إلى «عاصفة الحزم» ومنجزاتها، وإلى التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الخليج دفاعاً عن الجزيرة العربية؟ لسنا ضد حرية الرأي، ولكن للرأي قواعد وأصول وأخلاق. عبِّر عن رأيك وقُلْ كلمتك بكل حرية، لكن أخلص لوطنك وأمتك وإسلامك وعروبتك، ولا تكن أداة لتشويش العقول وتشويه الأفهام!