لا قدرة ولا رغبة عربية أو إسلامية في خوض «حروب تحرير» من أجل فلسطين، أقلها بسبب تداعيات ما سمي «الربيع العربي» وتحوله إلى حروب أهلية تأكل الأخضر واليابس. كذلك، لا قدرة ولا رغبة رسمية فلسطينية على مباشرة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، أقلها بسبب دمغ «المقاوم» بالإرهاب. وأيضاً، لا قدرة ولا رغبة لدى السلطة الفلسطينية وفصائلها في استغلال «هبة ترويع الإسرائيليين» الشبابية الفلسطينية والعمل على تحويلها إلى انتفاضة حقيقية يشارك فيها الشعب كسابقاتها. في هذا السياق، لا يبقى إلا التوجه نحو تدويل القضية الفلسطينية، بعد نجاحات حققها الكفاح الدبلوماسي السياسي وتوقيع فلسطين على عدد من الاتفاقيات والمواثيق مع المؤسسات الدولية في الأمم المتحدة. وهو كفاح يعتبره كثيرون «السلاح الأمضى» الممكن في ظل الصراعات المستعرة في المنطقة العربية، خاصة وأنه بدأ يعطي أكله. فبعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي (2334) ضد الاستيطان الإسرائيلي، والذي أثار غضب الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، جاء «مؤتمر باريس للسلام» الذي صدر عنه «إعلان باريس» والذي يدعم حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم ضمن حدود عام 1967، حيث دعت أكثر من 70 دولة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «إظهار الالتزام بحل الدولتين والامتناع عن أية أعمال أحادية تستبق نتيجة المفاوضات، خصوصاً بشأن الحدود والقدس واللاجئين»، مؤكدةً أنه في حال اتخاذ خطوات من هذا النوع «فإنها لن تعترف بها». وقد ركز الإعلان على التحذير من أن «حل الدولتين أصبح في خطر بسبب زيادة المستوطنات. وهو في خطر سياسي بسبب ضعف معسكر السلام، وفي خطر أخلاقي بسبب انعدام الثقة الذي يتراكم بين الأطراف والذي يستغله المتطرفون». وقد تبع القرار الدولي المشار إليه آنفاً بشأن «الاستيطان» في فلسطين، إصدار مجلس الأمن قرارا بالإجماع يدعم الخطة الروسية التركية من أجل وقف لإطلاق النار ومفاوضات في سوريا، ما يؤشر إلى أن العالم قد يشهد تغيرات جذرية في المرحلة المقبلة تجاه التعامل مع الأزمة السورية التي باتت تطوراتها معقدة المعالم. وكذلك الحال مع العراق، واليمن، وليبيا. فالتدويل يساعد على حفظ السلام على المستوى العالمي وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية أو للحفاظ على كيان من الهلاك من خلال مشاركة المجتمع الدولي في تحقيق مصالحة وطنية تحت مظلة مصالحات إقليمية أو عالمية. ويتوقع عدد متزايد من المراقبين اشتداد عملية «عض الأصابع»، بدلالات تبنى مجلس النواب الأميركي بياناً دان فيه قرار مجلس الأمن الدولي بسب قراره الداعي لوقف «الاستيطان» الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم أن الوثيقة التي تبناها مجلس النواب الأميركي غير ملزمة قانونياً، فإن عدداً من أعضاء الكونجرس الجمهوريين تقدموا بمبادرة لطرح مشروع قانون يمنع الإدارة الأميركية من تحويل مبالغ مالية إلى الأمم المتحدة. وينص المشروع على عدة احتمالات عقابية للأمم المتحدة على رأسها حجب التمويل الأميركي الذي يشكل 22% من ميزانيتها السنوية، والانسحاب من العضوية في عدد من وكالات الأمم المتحدة أو تمرير تشريعات لحماية المستوطنين الذين يحملون الجنسية الأميركية، وقد يتضررون من القرار الأممي. ومعروف أن الدولة الصهيونية لا تريد «التدويل» وتصر دائماً على رفض تدخل الأمم المتحدة، في الصراع مع الفلسطينيين، وتصر على أن الأنسب لها مفاوضات ثنائية غير مشروطة، ولا بأس إن كانت تحت إشراف غير فاعل للولايات المتحدة الأميركية. ومنذ توقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أبريل 2014، جراء رفض حكومة اليمين المتطرف تجميد الاستيطان، وقبول حدود 1967 كأساس للمفاوضات، والإفراج عن معتقلين فلسطينيين قدامى في سجونها.. ما تزال إسرائيل تواصل العمل على إصدار تراخيص لشركات استيطانية بهدف تزوير ملكيات الأراضي، فيما تشير المعطيات الفلسطينية إلى أن 54 شركة تم ترخيصها في عامي 2015 و2016، بينما تم رصد أكثر من 20 محاولة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية عبر تزوير أوراق ملكيتها. وبحسب رئيس هيئة «مقاومة الجدار والاستيطان» فإن «عدد المستوطنين ارتفع خلال العام الماضي في الضفة الغربية بزيادة 27 ألف مستوطن، ليصبح عددهم الإجمالي 620 ألفاً، فيما بلغ عدد المواقع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية 570 مستوطنة، مقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين، حيث تم تشريعها بقرارات من حكومة الاحتلال». وهذه الإجراءات أحادية الجانب إسرائيلياً تحتاج إلى إجراءات دولية لكبحها. «التدويل»، كما نراه، يوجع إسرائيل، فلم لا نستغل الفرصة ونقدم -على سبيل المثال وعلى جناح السرعة- طلبا لمحكمة العدل الدولية للحصول على رأي قانوني دولي حول مدى التزام إسرائيل بشروط عضويتها في الأمم المتحدة، أو مطالبة الأخيرة بفتح تحقيق دولي بشأن الجرائم والإعدامات الميدانية التي تقترفها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين؟ وغير ذلك، من المطالبات المنشودة كثير، فهل نفعل؟