ليست التحالفات السياسية، بشقيها الحزبي والثوري، أمرا جديدا على مصر، لكنها لا تلبث أن تنفك عراها، وتذوب في حضرة الصراعات الأيديولوجية والشخصية، وغياب فضيلة إنكار الذات، ومراهقة بعض الثوريين، وتآكل قواعد الأحزاب وتراجع عضويتها، وافتقاد قيادتها إلى المغامرة وملكة القيادة، علاوة على تقييد الأحزاب السياسية حتى أصبحنا قبل ثورة يناير أمام «أحزاب بلا جماهير» و«جماهير بلا أحزاب»، وهي القاعدة التي يراد استعادتها الآن، مع ضرب الأحزاب المؤثرة مثلما حدث مؤخراً مع حزب «المصريين الأحرار»، الذي كان يقف خلفه رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس. والتحالفات الحزبية في مصر لها سمات بحكم الممارسة واضحة عيانا بيانا يمكن ذكرها على النحو التالي: أولاً: هي ظاهرة متكررة مرتبطة بالانتخابات في تاريخ مصر المعاصر، ففي عام 1984 تحالف حزب الوفد مع جماعة «الإخوان»، وفي عام 1987 تحالف حزبا «العمل» و«الأحرار» مع الجماعة نفسها، وبعد ثورة يناير بدأت فكرة التحالفات مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية عام 2011، حيث تمخَّضت عنها 4 تحالفات رئيسية هي: التحالف الديمقراطي الذي قاده حزب «الحرية والعدالة» المنحل، والتحالف الإسلامي الذي قاده حزب «النور»، وتحالف «الكتلة المصرية»، وتحالف «الثورة مستمرة». ثانياً:هي في الغالب الأعم تحالفات في وجه خصم سياسي أكثر منها في مواجهة منافس انتخابي أو سياسي، ففي عام 2011 كان التحالف يرمي إلى مواجهة النخبة البرلمانية للحزب «الوطني الديمقراطي» الذي تم حله، وبعد الثورة صار يواجه «الإخوان، واستمرت الأحزاب المدنية في مواجهتهم حتى بعد إسقاطهم عن الحكم، وانزلاقهم إلى العنف. ثالثاً: رغم أن هذه التحالفات في مواجهة«خصم سياسي»فإنها لم تدم، فتحالفات ما قبل ثورة يناير سرعان ما تفكك بعضها مستسلماً لنظام مبارك، وراضياً بالفتات المتاح منه، أو إبرام الصفقات السرية معه، وتحالف مع بعد الثورة في مواجهة بقايا الحزب الوطني سرعان ما تفككت لأنها بالأساس كانت حق يراد به باطل، لأن جماعة«الإخوان»كان لها من هذا التحالف مآرب أخرى تكشفت مع مرور الأيام. رابعاً: دائماً ما يظهر حزب يخرج على إجماع الأحزاب السياسية أو رغبتها في التحالف أو اتخاذ موقف سياسي موحد، فحزب«التجمع»رفض مقاطعة الانتخابات البرلمانية 1990 مثلما فعلت بقية الأحزاب، وحزب«الوفد»رفض الانضواء تحت التحالف الذي قاده«الإخوان»بعد ثورة يناير، وتحالفات ما بعد ثورة 30 يونيو راحت تتصدع بمرور الأيام. خامساً» هناك عامل جعل بعض التحالفات لا تخلو من الاضطرارية أو تفتقد إلى قدر مناسب من الطوعية، مثلما حدث مع قانون الانتخابات الحالي في مصر الذي دفع بعض الأحزاب إلى الدخول في تحالفات لملاءمة أوضاعها من نظام القائمة المطلقة المغلقة، ثم سرعان ما تفككت بعد الانتخابات. سادساً: بعض هذه التحالفات كانت بين مختلفين أيديولوجياً بما يجعل التنسيق العميق بينها أمراً صعباً أو مؤقتاً، لاسيما في ظل حالة من الاستقطاب الاجتماعي الكبير في مصر على خلفية تفاوت طبقي واسع بفعل سياسات أدت إلى تركز الثروة في أيدي قلة من الناس. سابعاً: رغم أن هذه التحالفات هي بالأساس كانت بين أحزاب إلا أنها سعت في لهفة وراء شخصيات مستقلة بارزة لتضعها على رؤوس قوائم انتخابية بغية اصطياد أكبر عدد من المقاعد، لاسيما مع اتساع الرقعة الجغرافية للقوائم بما أفقد النخب البرلمانية التقليدية والمحلية القدرة على المنافسة القوية. وفي غير أيام الانتخابات تحتاج الأحزاب لتلك الشخصيات المستقلة لاستقطاب رأسمالها الاجتماعي أو الجمهور الذي يثق في تلك الشخصيات ويصدقها، ويميل إلى ما تميل إليه. ثامناً: مهما بلغ مدى التنسيق أو التماسك بين الأحزاب السياسية فليس بوسعها أن تتجاوز واقعاً مؤلماً يبين أن حجم عضويتها والجماهير التي تميل إليها أقل بكثير من الجماهير غير المنظمة أو المحزبة، وكذلك تلك التي لا تثق في الحياة الحزبية برمتها.