على الإرهابيين والمتطرفين أن يشعروا بالقلق والخوف من نجاح المساعي الإنسانية لدولة الإمارات ومحاولاتها تحقيق الاستقرار في المجتمع الأفغاني، لأن هذا النجاح يمثل خسارة لأصحاب «الأجندات» السياسية من دول وأفراد، ومن هذا المنطلق يمكن فهم ما جرى الأسبوع الماضي في قندهار من تفجيرات أودت بحياة عدد من الدبلوماسيين الإماراتيين. وتفسر الوقائع على الأرض الأفغانية أن نهج الإمارات في محاربة كارهي الخير يصب في صالح استقرار المجتمع الأفغاني، وإن كانت النتائج لا تفصح عن نجاحها إلا بعد مرور فترة من الزمن، لهذا فإن تقديم المساعدات الإماراتية للشعب الأفغاني ليس أمراً جديداً، بل بدأ مع الحرب العالمية ضد تنظيم «القاعدة»، أحد أبرز مهددي الاستقرار في العالم. أكاد أجزم بأن تذكّر معاناة الشعب الأفغاني لم يعد موجوداً إلا عند دولة الإمارات، فالجميع تقريباً نسوها، لأن الأهداف الإنسانية تراجعت في أجندات كثير من الدول الفاعلة. والإمارات كرست معيار القيم الإنسانية في تقديم مساعداتها، لذا كان من الطبيعي أن نجدها غير مبالية بما يحدث داخل أفغانستان (وغيرها) من تنافس بين القوى السياسية، فهي تركز على حاجات الشعب الأفغاني من مدارس ومراكز صحية ودور للأيتام. وبشكل عام فإن المساعدات الإنسانية بالنسبة إلى دولة الإمارات ليست خياراً تقدمه من أجل الحصول على مقابل أو مواقف سياسية من المجتمعات الأخرى، لكنها عقيدة ومنهج إنساني تبنته منذ قيامها حتى أصبح من صميم عملها الذي تقوم به في مواجهة الإرهاب والتطرف، ولهذا جاءت تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي قال فيها إن تلك العملية لن تثني الإمارات عن مواصلة العمل الخيري. لقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في أن تكون فاعلا مهماً في مجال العمل الخيري العالمي، حيث بات من السهل للمراقب الموضوعي أن يقول إنها أحدثت نقلة نوعية في هذا الجانب، فقد أصبحت اليوم مرجعاً في هذا المجال، وهي تقدم استشارات للعديد من دول العالم والمنظمات العالمية. كما أصبحت تملك فلسفتها الخاصة في تقديم المساعدات، فلسفة تتمثل في إشراك المجتمع بالكامل في العملية الإنسانية من خلال الاستعانة بالأيدي العاملة من الدولة التي تستقبل المساعدات، ومن خلال شراء الاحتياجات من السوق المحلي.. ما يجعل للمساعدات أكثر من بعد اجتماعي واقتصادي. وبهذه الطريقة أصبحت الإمارات عنصراً مؤثراً في الكثير من مناطق الأزمات. جريمة قندهار تؤكد أن الحضور المجتمعي الإنساني لدولة الإمارات ذو أثر إيجابي كبير للغاية، وأن له مردوده الإيجابي على الوضع الأمني في أفغانستان. وتؤكد أيضاً، أن مساعداتها تمثل جسراً للتواصل بين القوى المتصارعة من أجل تحقيق تسوية سياسية ولتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين. وبالتالي فإن ما تم هو محاولة لتلغيم الجسور السياسية التي تقيمها الإماراتية، واعتراف من المخربين بأن الإمارات باتت مؤثرة من خلال القيم التي تؤمن بها كل الحضارات الإنسانية. ما تقوم به الإمارات في مجال الإغاثة الإنسانية واضح للجميع، والقفزة الدبلوماسية التي حققتها في هذا المجال تمثل الرصيد القوي الذي تستند إليه في القضاء على الإرهاب والتطرف، ذلك أنها ساهمت بنجاح في تحقيق الاستقرار في العديد من مناطق الأزمات، وحققت طفرة تنموية في بعضها، لا سيما في كوسوفو وصربيا. وبمقتضى هذه الدبلوماسية تراجعت عمليات تصدير الإرهاب في باكستان، كما تراجعت عمليات التفجير في أفغانستان، وحدثت عملية انتقال السلطة فيها بهدوء بعدما عاشت لأكثر من ثلاثة عقود دون حكومة. نجاح الدبلوماسية الإماراتية وقوة تأثيرها «الناعم» في مناطق الأزمات كانا سبباً لاستهدافها، وأن يكون التفجير في مقر الأيتام فهذا يعني أن الاستراتيجية الإماراتية الناجحة في إغاثة الناس وتحقيق العيش الكريم كانت مؤلمة للظلاميين، كما أن قتل الدبلوماسيين الإماراتيين الأبرياء هو تعبير عن يأس مخططات المنظمات الإرهابية، ولكن هذا لا يعني عدم ملاحقة الفاعلين وتوقيع أقسى العقوبات عليهم. وبالتالي تعني تلك العملية الجبانة أن هدفها لم يكن الدبلوماسيين الإماراتيين فقط، ولكنها تستهدف القيم الإنسانية والدينية التي تعمل بها الإمارات. الهدوء «النسبي» الذي تعيشه أفغانستان كنتيجة للدور الإنساني الإماراتي، وما تحقق من فرق كبير بين ما كان عليه الحال قبل أكثر من 15 عاماً والوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الحالي، أفقد الكثيرين توازنهم، فكان رد فعلهم الدنيء باستهداف «سلاح المساعدات الإنسانية»، كتعبير واضح عن يأسهم وفشلهم.