كان ثمة دائماً معنى مزدوج لشعار «أجل نستطيع» الذي رفعه باراك أوباما في حملة عام 2008، وعاود الظهور مع نهاية خطابه الوداعي مساء الثلاثاء. ففي هذه الديمقراطية، لدينا- نحن الأميركيين- أسباب القوة للنجاح، لكننا نتحمل المسؤولية إذا فشلنا، كما علينا أن نقوم ببعض الشرح. أوباما كرّر هذه الرسالة التي أوصلته إلى البيت الأبيض قبل أكثر من ثماني سنوات، ضمن ما قد يكون آخر شيء محترم سنسمعه من رئيس الولايات المتحدة لبعض الوقت. لقد كان خطاب أوباما إعلاناً ملهماً بأنه لا ينبغي الخوف من التغيير، وانتقاداً لكسل وخمول ثقافتنا السياسية، التي بات السؤال الوحيد فيها هو: على من ينبغي إلقاء اللوم؟ وتعبيراً عن الإيمان بأن جيلاً صاعداً من الأميركيين، جيلاً مبدعاً ووطنياً وغير أناني، سيكون أكثر حكمة مما كان عليه جيل فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1946 و1964). أوباما دعا الأميركيين أنفسهم، مراراً وتكراراً، للحفاظ على ديمقراطيتهم، حيث قال إن الجمهورية تَضعف «عندما نتقاعس ونتراخى وننخرط في إلقاء اللوم على الزعماء الذين ننتخبهم من دون أن نسائل أنفسنا بخصوص الدور الذي نلعبه نحن في انتخابهم»، وتأسف لـ«وضع» الأميركيين في فقاعات تجعلنا نتفاعل مع الأشخاص ذوي الأفكار والعقليات المماثلة فقط، بل نحترمهم. كما ندّد بالموقف المتشائم المغري الذي يضع النظام كله في سلة واحدة «ويعتبره فاسداً على نحو حتمي لا مفر منه». والحال أنه لا قوى خارجية تقوم بفرض هذه الميولات على الأميركيين، بل إن الأميركيين أنفسهم يُضعفون ديمقراطيتهم. وفي هذا الصدد، قال أوباما: «رغم كل اختلافاتنا الخارجية، فإننا جميعاً نشترك في اللقب الفخور نفسه، الذي يُعتبر أهم منصب في دولة ديمقراطية: مواطن». وقال أيضاً: «إذا تعبت من مجادلة غرباء في الإنترنت، فحاول التحدث مع أحدهم في الحياة الحقيقية. وإذا احتاج شيء إلى التصليح، فاعقد رباطي الحذاء، وقم ببعض الأعمال التنظيمية». لكن، ماذا سيفعل أوباما عندما يغادر المكتب البيضاوي وينضم إلى بقية الأميركيين؟ في الجزء الأخير من خطابه، قدم أوباما وعداً إلى الأميركيين؛ إنه لن يعمد، في هذه الأوقات السياسية غير العادية، إلى الاختفاء عن الأنظار على غرار رؤساء سابقين، حيث قال: «لن أتوقف.. بل سأكون هناك معكم، كمواطن، خلال أيامي الباقية». أوباما لم يتحدث كثيراً عن السياسات، لكن التفاصيل التي أشار إليها توحي بأنه سيكرّس فترة ما بعد رئاسته لمحاربة بعض القوى التي تتسبب في تآكل الحياة السياسة في البلاد: «عندما يعاني الكونغرس خللاً، ينبغي أن نحدد دوائرنا على نحو يشجع السياسيين على إعمال العقل والمنطق». وعليه، فربما يجدر بنا أن نتوقع من أوباما الدفع باتجاه إعادة تحديد الدوائر الانتخابية، وهو موضوع غير جذاب، لكنه يستحق اهتماماً أكبر بكثير. وخصص أوباما حيزاً مهماً من خطابه للحجاج بأن مصير البلاد سيكون التراجع والتقهقر إذا ظل نقاشها السياسي بعيداً عن «بعض الحقائق»، مستشهداً بموضوع تغير المناخ. وقال: «من دون تحرك أكثر شجاعة، فإن أبناءنا لن يكون لديهم الوقت لمناقشة وجود تغير المناخ. بل سيكونون منهمكين في التعامل مع تداعياته»، مضيفاً: «نستطيع وينبغي أن نحاجج بشأن المقاربة المثلى لحل المشكلة، أما أن نعمد إلى إنكارها فذلك لا يمثل خيانة للأجيال المقبلة فحسب، بل كذلك خيانة لروح البلاد نفسها، روح الإبداع والابتكار والحل العملي للمشاكل.. الروح التي وجّهت آباءنا المؤسسين وأرشدتهم». وذلك ما نتوقعه من أوباما خلال السنوات المقبلة! ستيفان سترومبرج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»