ما حدث لأبناء الإمارات في قندهار- أفغانستان، كبير، مؤلم وثقيل على النفس الحُرّة. ليتها كانت معركة، أو مواجهة رجال لرجال. لو كانت كذلك، لكنّا ضمنَّا سلفاً النتيجة. لكن الذي حدث كان فعل نذالة، لا يقوم به سوى أنذال، فُطرت نفوسهم على مزيج من الخسةِ والجُبن. هؤلاء نوع من المخلوقات (البشريّة) لا يمكنه العمل في النهار. يختار الخفاء، الظلام والأقبية، يتحد مع زواحف وهوام لا تخرج من جحورها إلاّ في الليل. يخيفها الفجر ويرعبها النهار. عدوها اللدود الوضوح والإعلان. إن مَهام العار ليس هنالك أسهل منها: (لغِّم وأهرب) (فجِّر المكان وأهرب.. فجِّر الرجال الأشراف وأهرب.. فجر النساء والأطفال واختفي.. فجر الإنسانية بلا ندم). لطالما كانت دروب المجد عصيّة، محفوفة بالضرائب باهظة الأثمان. وتلك حقيقة يعرفها الرجال رواد القمم. يقبلونها بنفوسٍ أبيّة، ما دامت تفضي بهم إلى المعالي. ترى من الذي قام بارتكاب تلك الجريمة البشعة؟ من كان المستهدف الرئيس؟ من له مصلحة في قطع العمل الإنساني، وضرب الأيدي البيضاء القائمةُ عليه؟ هل ستثمر المساعي في القبض على هؤلاء المجرمين وتقديمهم للعدالة لنسمع قريباً كلمتها فيهم؟ أسئلة ستظل معلقة على القلب حتى يجاب عنها. أسئلة ستبقى الرؤوس مثقلة بها لا تنام إلى حين القصاص. ليس هنالك من جريمة كاملة في الوجود. هذه مسألة معروفة، إذ لا بد، وإن طال الوقت، من أن تتكشف الحقيقة، وترتاح لها تلك الأرواح الزكية التي غادرتنا، في البعد، من دون وداع.. أرواح الشهداء التي ستبقى ترفرف حولنا جميعاً، إلى حين الانتصاف لها من هؤلاء المجرمين سفاكي الدماء. إن ذلك اليوم لقريب، يكاد المرء يراه مثلما كان يرى، كيف كانت تلك الأيادي الطاهرة المخضبة بالبذل والعطاء، تصنع الخير وتدخل السرور إلى نفوس الناس وقلوبهم في أفغانستان. بلدٌ لا تكاد تنتهي نكباته. هل غير العائلة الأفغانية (الطفل والمرأة والرجل) كان يستفيد من المساعدات الإنسانية التي تقدمها دولة الإمارات؟ لا أحد سواها أبداً، تأتيها المساعدة بلا منّة، وهي على أرضها وفيها لم تغادرها إلى أي مطرح آخر. فمنذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، بلغ مجموع ما قدمته دولة الإمارات لأهالي أفغانستان (2.5) مليار دولار، في شكل مساعدات تنموية لإعادة بناء المدارس والمستشفيات والمنازل السكنية، وتلبية حاجة المتضررين من الكوارث الطبيعية. ناهيك عن مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لاستئصال مرض شلل الأطفال من أفغانستان وباكستان معاً. رصد لتلك المبادرة مبلغ (440) مليون درهم. ألا تبت يد القتلة، اللهم عليك بالإرهابيين شذاذ الآفاق أينما كانوا، ومن كانوا، ومن وقف وراءهم، ساندهم بالأفكار السوداء والمال والسلاح. إن الإمارات دولة لا تستطع التوقف عن السير في الدرب الذي اختارته منذ بروزها وتأسيسها، ولمعان نجمها في الفضاء الدولي والعالمي، وتحديداً في الفضاء الإنساني الأممي على كامل الكوكب. ببساطة وصراحة متناهية، الإمارات لا تستطيع سوى الاستمرار في سعيها إلى الخير، وفي تنفيذ استراتيجيتها الهادفة إلى تعميق وتطوير تجربتها الخاصة المتميزة، وتصديرها أنموذجاً إلى الأمم والشعوب في العالم. إن الحدث الأليم الذي وقع لأبناء أعزاء على الوطن، هو ليس الأول من نوعه، وليس بمقدور أحد الجزم بأنه سيكون الأخير، فالطريق إلى القمم طويلة، كلما ارتقت الإمارات قمة، سبقتها عينها إلى القمة الأخرى. ورواد القمم، نجاحهم يغري أهل الحفر. الإمارات عاشقة للريادة، وعشاق على النحو والمستوى من التميز، لا بد لهم من ابتلاءات يمرون بها في خلال طريقهم الذي لن يغيروه.