تقدر منظمة الصحة العالمية أن استخدام أوراق نبات التبغ –بمنتجاته وأشكاله المختلفة- يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنوياً، في شكل نفقات رعاية صحية للأمراض والعلل التي يتسبب فيها، ومن خلال ما تسببه هذه الأمراض من فاقد في إنتاجية القوة العاملة، هذا بالإضافة إلى ثمن إنساني فادح يتجسد في وفاة ستة ملايين شخص سنوياً نتيجة استخدام التبغ، غالبيتهم في الدول النامية والفقيرة. وحتى في دول القارة العجوز، تقدر المفوضية الأوروبية أن حوالي 700 ألف أوروبي يلقون حتفهم سنوياً، بسبب أمراض ناتجة عن التدخين، وهو ما يعادل وفيات سنوية بقدر عدد سكان مدينة فرانكفورت، أو مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية. ومؤخراً شكلت هذه الأرقام والتقديرات محور تقرير صدر في 700 صفحة عن منظمة الصحة الدولية، بالتعاون مع المعهد الوطني للأمراض السرطانية بالولايات المتحدة، وحمل عنوان «اقتصاديات التبغ، واقتصاديات التحكم في التبغ» (the economics of tobacco and tobacco control). والمقصود بالتحكم في التبغ هنا، هو المجال المتخصص من علم الصحة العامة الدولية، ومن السياسات، والممارسات، المعنية بالجوانب المختلفة لإنتاج، وبيع، وتهريب، واستهلاك التبغ، وبشتى سبل الإقلاع عن استخدامه، بهدف خفض الأمراض والوفيات الناتجة عنه. ويعود استخدام التبغ إلى أربعة عشر قرناً قبل الميلاد، بين شعوب وقبائل أميركا الجنوبية، حيث يتم الحصول على التبغ من خلال تجفيف ومعالجة أوراق نبات التبغ، والذي رغم وجود أكثر من 70 نوعاً وصنفاً منه، إلا أن نوعاً واحداً أو اثنين فقط يُستخدمان على نطاق تجاري حول العالم. وتتعدد وتتنوع الأشكال والأساليب التي يتم استخدام التبغ من خلالها، مثل السجائر، والسيجار، والغليون، والنرجيلة بخلطاتها ونكهاتها المتنوعة. وبغض النظر عن الشكل أو الطريقة، يسعى مستخدمو التبغ للحصول على مادة النيكوتين المنبهة، حيث تحتوي السيجارة الواحدة في المتوسط على 2 ميليجرام من النيكوتين، والذي يتم امتصاصه بسهولة عبر الأغشية المخاطية في الجسم، خصوصاً من خلال أنسجة الرئتين. ونتيجة هذا التأثير المنبه للنيكوتين، يقع مستخدمو التبغ في هاوية إدمان استخدامه. وعلى هذا الصعيد، حسم الجدل الدائر سابقاً حول ما إذا كان التدخين عادة أم إدماناً، حيث يتميز سلوك المدخنين بالسمات الأساسية العامة للإدمان. ومن هذه السمات، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: التأثير النفسي المحفز، وتكرار السلوك المُدَعَّم بتكرار استخدام المادة، والاستخدام القهري، والانتكاس أو العودة للاستخدام بعد التوقف لفترة، والشعور بالحاجة القهرية لاستمرار الاستخدام، وزيادة مقاومة الجسم لتأثير المادة الكيميائية بمرور الوقت، ما يتطلب من زيادة الجرعة للحصول على التأثير نفسه، وهي كما ذكرنا صفات وسمات تميز حالات الإدمان، سواء كان إدمان نيكوتين، أو كحول، أو مخدرات، أو غيرهم من المواد. ومن الحقائق الثابتة والمؤكدة، أن الأمراض والعلل الناتجة عن استخدام منتجات التبغ، تعتبر حالياً من أشد المخاطر التي تواجه صحة الأفراد، والصحة العامة على الإطلاق، حيث يقدر أنه بمرور كل ست ثوان، يلقى شخص حتفه بسبب أحد الأمراض والعلل الناتجة عن استخدام منتجات التبغ، وهو ما يعادل عشرة أشخاص بمرور كل دقيقة، وحوالي ستة ملايين شخص في العام الواحد كما ذكرنا سابقاً، وهو الرقم المرشح أن يصل إلى ثمانية أو عشرة ملايين شخص بحلول عام 2030، هذا إذا لم يتم عكس الاتجاه الحالي المتمثل في الارتفاع المستمر في أعداد المدخنين. وتنتج هذه الوفيات من حقيقة كون استخدام التبغ يعتبر عامل خطر رئيساً خلف حزمة من الأمراض والعلل، مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، والانسداد الرئوي المزمن، والإمفيزيما، وأنواع عدة من الأمراض السرطانية، مثل سرطان الرئتين، والحنجرة، والفم، والمريء، بالإضافة إلى سرطان البنكرياس والمثانة. وتؤكد الدراسات أن الأشخاص الذين يبدؤون التدخين في سنوات المراهقة -كما هو الحال لدى 70 في المئة من المدخنين- ويستمرون في التدخين لعقدين من الزمان أو أكثر، يلقون مصرعهم في سن أصغر بخمسة وعشرين عاماً مقارنة بأقرانهم الذين لم يدخنوا بالمرة. هذه الوفيات نتيجة الكتالوج الضخم سابق الذكر من الأمراض والعلل التي تصيب جسد المدخن من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، تجعل التدخين يأتي في المركز الثاني على قائمة أكثر أسباب الوفيات شيوعاً. والغريب والمثير للدهشة، أن التبغ هو المنتج أو البضاعة الوحيدة التي تتسبب في مقتل نصف مستخدميها، وهو ما لا يمكن أن تقبله من أي منتج أو بضاعة أخرى.