تميزت الساحة السياسية في إسرائيل خلال شهر يناير بمشاهد مثيره تدعو إلى التأمل. دعونا في البداية نحصرها. المشهد الأول هو مشهد التحقيق القانوني مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في شبهات فساد واستغلال للنفوذ. أما المشهد الثاني، فهو مشهد رئيس الوزراء، وهو يدخل في مهاترات مع مؤتمر السلام ومع الفرنسيين أصحاب الدعوة إلى المؤتمر، ويصف المؤتمر بأنه دجل من جانب الفلسطينيين برعاية فرنسا. أما المشهد الثالث، فهو مشهد الفرح الشديد لدى المستوطنين لوصول دعوة إلى أحد زعمائهم لحضور حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد. أما المشهد الرابع فيتعلق بالتوقعات الإسرائيلية حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاحتمالات المختلفة، وكيف يمكن لإسرائيل أن تساوم الفلسطينيين على هذا الأمر الذي يقلقهم بشدة. نركز هنا على المشهد الأول الذي أغرى المعارضة ممثلة في رئيس حزب المعسكر الصهيوني «هرتزوج» بمحاولة تأليب وزراء نتنياهو عليه بهدف التخلص من وجوده السياسي ليتفرغ للتحقيق معه. هذه المحاولة تتطلب أن يتحرك أحد الوزراء المهمين المشاركين في الحكومة ليطالب نتنياهو بتعليق عمله في منصب رئيس الوزراء لمواجهة التحقيق وتسليم منصبه لأحد الوزراء، أو إعلان استقالته كما سبق وحدث مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، عندما تعرض لتحقيق، ذلك أن اثنين من وزرائه طالباه بهذا الأمر. تقول الصحف الإسرائيلية إن زعيم المعارضة اتصل بالوزير «كحلون» زعيم حزب «كلنا» ليقنعه بالتحرك ضد نتنياهو واعداً إياه بأن المعارضة ستؤيد تعيينه رئيساً للحكومة في البرلمان، مما يدل على أن هذه الأخبار صحيحة؛ أن الوزير المقرب من نتنياهو «صاحي هنجبي» قد تصدى لها، وراح يحاول ثني «كحلون» عن مثل هذا التصرف علناً مؤكدا ثقته بأنه لن يخون ثقة رئيس الوزراء. من ناحية ثانية نظمت مجموعات من المعارضة اليسارية تظاهرة تطالب برحيل الفاسد نتنياهو، وهي مظاهرة قد تثير مزيداً من المظاهرات في نفس الاتجاه. هناك من يتوقع أن تنتهي التحقيقات مع نتنياهو إلى عدم الإدانة في موضوعي التحقيق، وهما موضوع تلقي هدايا ثمينة من رجال أعمال، وموضوع إجراء حوارات مع «أرنون موزيس» مالك صحيفة «يديعوت أحرونوت»، تهدف إلى نشر مقالات مؤيدة لنتنياهو بالصحيفة مقابل إصدار تشريع لمنع الصحف المجانية في إسرائيل لتسترد «يديعوت أحرونوت» مكانتها بمنع صحيفة «يسرائيل هيوم». تتحدث الأوساط القضائية عن اعتبار هذه الحوارات المسجلة منطوية على جريمة الرشوة في حين يرى البعض أنها لا تصل إلى هذا الحد. هذا المشهد المتعلق بشبهات الفساد ليس جديداً على نتنياهو، فقد سبق أن واجه مثله من قبل أثناء توليه السلطة عام 1966، وخرج منه دون إدانة، وهو ما يجعله واثقاً هذه المرة بأنه لن يلقى عقاباً كما حدث مع إيهود أولمرت. لعل هذا المشهد يفسر لجوء نتنياهو إلى طعن فرنسا بألفاظ غير لائقة ومثيرة للحماس الشعبوي في أوساط اليمين الإسرائيلي الذي يستند إليه عندما يصف مؤتمر باريس بالدجل، ذلك أنه يحتاج إلى الظهور بمظهر البطل الذي لا يخشى شن هجوم فيه بذاءة على دولة كبرى، ولقد استفاد من الضجة التي أثيرت حول تصريحه في هذا الشأن خصوصاً عندما ردت عليه السفيرة الفرنسية في تل أبيب، محاولاً صرف الأنظار عن التحقيق الجاري معه. إن سائر المشاهد الإسرائيلية تستحق منا العودة إليها.