في مدغشقر، الجزيرة الواقعة قبالة السواحل الشرقية لأفريقيا لا تعلم «رانوماسي»، الأم التي تخشى من موت ابنها جوعاً، شيئاً عن أميركا ولا عن رئيسها المنتخب دونالد ترامب. لكن الأميركيين ربما هم من يقتلون بغير قصد ابن المرأة التي تعيش في قرية منعزلة من الجزيرة. فللولايات المتحدة نصيب الأسد من التسبب في تغير المناخ لأنها مسؤولة عن إنتاج كميات كبيرة من انبعاثات الكربون. وتغير المناخ هذا هو المسؤول فيما يبدو عن الجفاف الشديد الذي قضى على المحاصيل في مدغشقر وسبع دول في منطقة جنوب أفريقيا. والأمم المتحدة تؤكد أن هذا الجفاف أدى إلى سوء تغذية 1.3 مليون طفل في المنطقة. كما أعلنت المنظمة الدولية أن نحو مليون شخص في مدغشقر في حاجة ملحة للمساعدات الغذائية. وناشد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة العالم كي يقدم المساعدات لكن لم يتم التبرع إلا بنصف المبلغ المطلوب. ورغم كل هذا، يستخف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتغير المناخ ووصفه ذات مرة بأنه وهم اختلقته الصين. لكن تغير المناخ هنا في مدغشقر واقع وضحاياه الماثلين للعيان خير دليل. ويتعين على من يشككون في خطر التغير المناخي أن يأتوا ويعاينوا أضلع الأطفال الجوعى الذين يقفون بين الموت والحياة. صحيح أن هناك تعقيدا شديدا في العلاقة بين انبعاثات الكربون وأي جفاف بعينه لكن تغير المناخ إجمالاً واضح مثل رؤية عين ذابلة لطفل يموت جوعا كرضيع «رانوماسي» البالغ من العمر 18 شهراً. وقد سارت رانوماسي حافية القدمين وهي تحمل ابنها على مدار 12 ساعة عبر الصحراء حتى وصلت إلى مركز طوارئ للتغذية أقامته راهبات كاثوليكيات حاولن إنقاذ حياة الطفل. وفي القرية التي زرتها، يعاني السكان من غائلة جوع شديد بسبب ندرة الأمطار وضعف المحاصيل في السنوات القليلة الماضية. وكان سكانها يسيرون ثلاث ساعات على الأقدام ليحصلوا على الماء من بئر لكن هذه البئر قد جفت فلجأوا إلى شراء الماء ثم نفد ما معهم من مال تقريباً. وباع السكان ماشيتهم وكل شيء. وأخرجت الأسر أطفالها من المدارس كي يلتقطوا النباتات القابلة للأكل. وقابلت طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات كانت قد تركت المدرسة. ويريد والدا هذه الطفلة أن يجدا لها زوجا كي يكفيهما عبء إعالتها. لكن لا أحد يستطيع تقديم مهر يبلغ نحو 32 دولاراً للزواج بها. والأبوان يعلمان خطأ تزويج ابنتهما في هذا السن الصغيرة لكنهما يعلمان أيضا أنه من الخطأ تركها نهبا للجوع. وبعض الأسر تلتقط الحجر الجيري من الأرض وتصنع منه حساء وإذا عز هذا، فإنهم يصنعون من رماد المواقد حساء. والجفاف شديد في ليسوتو ومالاوي وموزمبيق وسوازيلاند وزامبيا وزيمبابوي ومن المتوقع أن يستمر الجفاف هذا العام في شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي. والسبب المباشر للجفاف هو ظاهرة النينو الجافة التي جاءت تتويجا لاتجاه أكثر جفافا في العقود القليلة الماضية في أنحاء من أفريقيا. وتوصل بحث جديد ظهر في نشرة «جمعية الأرصاد الجوية الأميركية» إلى أن التغير المناخي الناتج عن السلوك البشري أدى إلى تفاقم ظاهرة "النينو"، وقلّص إلى حد كبير معدل سقوط الأمطار في إثيوبيا وجنوب أفريقيا. وتشير بيانات بحثية إلى أن السلوك البشري أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة، وقلص جريان المياه في جنوب أفريقيا بنحو 48% وتسبب في أزمات غذاء كبيرة. ولولا مساعدات من وكالة المساعدات الأميركية (يو. إس. أيد) وجماعات غير هادفة للربح وعملها في قرى مدغشقر لرأينا أكواما أعلى من الجثث. وجمعية «خدمات الإغاثة الكاثوليكية» تقدم المساعدات الغذائية العاجلة وتروج أيضا لاستخدام البذور المقاومة للجفاف وتعلم المزارعين المقيمين بالقرب من الشاطئ كيفية الصيد. وهي تعمل أيضا مع علماء أميركيين كي يطبقوا تكنولوجيات جديدة توفر الماء في مدغشقر مثل تحلية مياه البحر. فقد ساهمت التكنولوجيا الأميركية في خلق المشكلة ومن الجيد أن نرى التكنولوجيا الأميركية تُستخدم في تخفيف حدة المشكلة على الضحايا. إنني أشعر بفخر كأميركي حين أرى المساعدات الأميركية تنقذ الحياة. لكن فخري ممزوج بالذنب، لأن الولايات المتحدة مسؤولة بمفردها عن أكثر من ربع انبعاثات الكربون في العالم على مدار قرن ونصف. * كاتب أميركي حائز على جائزة بوليتزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»