في عام 2016، استأثر كل من فلاديمير بوتين وباراك أوباما ودونالد ترامب بأكبر قدر من اهتمام وتعليقات الصحافة والإعلام. والحال أن رجل السنة قد يكون «شي جين بينغ»، الذي ازداد قوة خلال الأشهر الأخيرة. فالرئيس الصيني يوجد على رأس بلد لم يقدِم على مغامرات خارجية غير موفقة عموماً. ولا شك أن النمو الاقتصادي لبلاده بات أقل قوة مما كان عليه خلال السنوات الأخيرة، إلا أن معظم البلدان الأخرى مازالت تغبط الصين على معدل نموها الاقتصادي رغم تراجعه. وعلاوة على ذلك، فإن الأزمة الموعودة التي توقّع كثيرون أن تصيب الصين لم تحدث. وإذا كانت الاقتصادات الناشئة واقتصادات بلدان كتلة «البريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تعاني من أوقات اقتصادية ومالية عصيبة، فإن ذلك ليس هو الحال بالنسبة للصين التي تواصل صعودها وتداركت تأخرها الاقتصادي عن الولايات المتحدة. ومن خلال انكبابها على إنشاء البنى التحتية وإقامة المشاريع الضخمة والعملاقة، على غرار مشروع القناة في نيكاراغوا وخط السكك الحديدية للربط السريع بين بكين وموسكو، تقوم الصين بإنشاء شبكة من مشاريع البنى التحتية وتعزيز وجودها في أماكن استراتيجية من العالم تستطيع فيها الوصول إلى المواد الأولية. غير أن دبلوماسية الصين، بالمقابل، ليست مذهلة، ووزنها الاستراتيجي يُعتبر أقل من وزنها الاقتصادي، وهو عكس ما كان عليه الحال في عهد الزعيم الشيوعي «ماو تسي تونغ». ذلك أنها، بشكل عام، تميل إلى الإحجام عن التدخل في القضايا الدولية، وتحرص بالمقابل على تحديد مصالحها على المدى الطويل. بيد أن الصعود السلمي للصين ينظر إليه بغير قليل من الارتياب والتوجس من قبل عدد من جيرانها، تماماً على غرار مطالباتها بالسيادة على عدد من الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين. وهكذا، فإن صعود «المملكة الوسطى» يثير خوف جيرانها ويضفي شرعيةً على رغبتهم في رؤية وجود عسكري أميركي في المنطقة. والحال أن رغبة الصين في رؤية القوات الأميركية ترحل عن المنطقة تتناقض مع سياستها التي تولّد لدى جيرانها شعوراً بالحاجة إلى الحفاظ على تلك القوات. وقد يرفض رئيس الولايات المتحدة الجديد، دونالد ترامب، تمويل حماية اليابان وكوريا الجنوبية، لكنه يطمح أيضاً إلى إقامة «حاجز اقتصادي» مع الصين. غير أن إنشاء هذا الحاجز لن يكون يسيراً، وذلك على اعتبار أن الصين هي المقرِض الرئيسي للولايات المتحدة حالياً. والحال أنه من الصعب على المرء أن يدخل في شجار مع البنك الذي يستدين منه. وفضلا عن ذلك، فإن الصين قامت بانعطافة بيئية بالغة الأهمية خلال الآونة الأخيرة، حيث أخذت تستثمر بشكل كبير في الطاقات المتجددة وتستعد لخلق آلاف الوظائف في هذا القطاع الحيوي. ولئن كانت تُعتبر الملوثَ الأول للكوكب في الوقت الراهن، فإنها يمكن أن تحقق، في هذا المجال، تقدماً هاماً وتنافسياً يشكّل مصدراً من مصادر النمو. وإلى ذلك، لم تشارك الصين منذ بداية القرن في أي تدخل عسكري خارجي، خلافاً لروسيا والولايات المتحدة. وبهذه الطريقة، حمت الصين اقتصادها وشعبيتها، بينما تتحمل الولايات المتحدة، اليوم، الكلفة الباهظة لعملياتها العسكرية، سواء من الناحية المالية أو من ناحية السمعة الدولية. وبسبب ذلك، باتت واشنطن مترددة الآن وتعارض أي تدخل عسكري في الخارج. ومن جانبها، باتت روسيا مضطرة لمواجهة تداعيات تدخلها الاستراتيجي في أوكرانيا وفي سوريا. ولكن هذا ليس هو واقع الحال بالنسبة للصين التي آثرت الاستثمار في التنمية على الانخراط في مغامرات عسكرية مكلفة وغير مأمونة العواقب. واليوم، ها هي تجني ثمار ذلك النهج الرصين والمتحفظ في مجال السياسة الخارجية. ومن جهة أخرى، نجح «شي جين بينغ» في تعزيز سلطته، سواء أمام العسكريين أو داخل جهاز الحزب الشيوعي. فعلى الرغم من بعض الاحتجاجات، إلا أنه يبدو صاحب شرعية في أعين شعبه مادام النظام ناجحاً في المجالات الاقتصادية والتنموية. ومما لا شك فيه أن ثمة مثقفين يطعنون في شرعيته ويطالبون بمزيد من الحريات، إلا أن هؤلاء يظلون قلة قليلة في واقع الأمر. كما أن شرعيتهم أكبر في الخارج منها داخل الصين. وخلاصة القول إنه على الرغم من أن اسم «شي جين بينغ» لا يوجد بين الشخصيات التي استأثرت بأكبر قدر من اهتمام الإعلام والصحافة في عام 2016، إلا أنه يواصل قيادة مسيرته ومسيرة بلده إلى الأمام. ونتيجة لذلك، فإنه يُعتبر اليوم، وبدون شك، الرجلَ الأقوى في العالم. رجل لا يواجه حواجز كثيرة على الصعيد الدولي، ولا يواجه أي حواجز على الصعيد الداخلي. كما أنه يتزعم بلدا أقوى من بلد فلاديمير بوتين، ولا يواجه معارضة داخلية قوية مثل تلك التي يواجهها دونالد ترامب في بلده. ------------------------ *مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس