موقف الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن الدولي من قرار الاستيطان الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حين امتنعت عن التصويت وعن استخدام حق النقض (الفيتو) ضده، فجّر غضباً إسرائيلياً عارماً ومواقف متشنجة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأعاد إلى الأذهان قضية الخلافات التي نشبت بين رؤساء سابقين للولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية ورؤساء وزرائها المتعاقبين منذ عقد خمسينيات القرن العشرين، فكل رئيس أميركي منذ عهد الرئيس الأسبق «دوايت أيزنهاور» تعرض لشيء من الانتقاد الحاد أو للمواقف الصعبة التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية أمامه، إلى درجة أن البعض منهم لم يكن قادراً على الرد العلني المباشر. وهذا يقودنا إلى القول بأن الموقف الذي وقفته إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما في مجلس الأمن الدولي، والمواقف التي تعرض لها في علاقات إدارته مع حكومة نتنياهو ليست هي أول حادثة من هذا النوع تقع بين الطرفين، لكنها هي أول حادثة تُخرج مثل تلك الخلافات إلى العلن، وتفضح إسرائيل كثيراً أمام المجتمع الدولي، وتجعل من بروز مثل تلك الخلافات إلى السطح مفاجأة كبرى حتى بالنسبة لأقرب المقربين من أصدقاء الولايات المتحدة وإسرائيل في المجتمع الدولي. إنها حادثة مفرحة بالنسبة لجميع أولئك الذين يقفون إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في أراضيه، وفي إقامة دولته المستقلة على تلك الأراضي، أي أنها أخرجت إلى النور بشاعة الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وربما قدحت الشرارة لعودة مشروع حل الدولتين إلى الطاولة من جديد. قبل ذلك، وفي عام 1966 حدث خلاف بين الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك والحالي نتنياهو خلال أول مقابلة بينهما إلى درجة أن كلينتون خرج من المقابلة وهو غاضب جداً وسأل مستشاره آنذاك دينيس روس قائلاً: هل يعتقد نتنياهو أن إسرائيل هي الدولة العظمى؟ أهي الولايات المتحدة أم إسرائيل؟ وفي عام 1991 قام الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بتجميد عشرة مليارات دولار أميركي قدمتها الولايات المتحدة كضمان لقرض مقدم لإسرائيل قاصداً الضغط عليها لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية والاستمرار في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وبعد فترة أبدى بوش الأب امتعاضه الشديد من ممارسات رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق شامير الذي رفض وقف بناء المستوطنات بعد أن اعتقد بوش بأنه حصل على وعد منه بذلك. وفي ثمانينيات القرن الماضي، وأثناء فترة رئاسة الرئيس الأسبق رونالد ريجان، وكرد فعل على قيام رئيس الوزراء آنذاك مناحم بيجين بضم هضبة الجولان السورية بشكل كامل وإخضاعها للإدارة والقانون الإسرائيلي المباشر، قام ريجان بتجميد تسليم عدد من طائرات F16، وبإيقاف العمل باتفاقية الدفاع المشترك بين الطرفين. وبعدها قام «مناحم بيجين» بالشكوى من أن إسرائيل عوملت من قبل ريجان، وكأنها دولة ذليلة وخانعة. وفي سبعينيات القرن العشرين غضب الرئيس الأسبق جيرالد فورد بشدة من رفض إسرائيل عقد اتفاقية فض الاشتباك في سيناء مع مصر إلى درجة أنه قام بالإعلان عن إعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل، في تهديد خطير موجه إليها كانت له آثاره على مواقفها من المسألة، وأخيراً في خمسينيات القرن العشرين قام الرئيس الأسبق «دوايت أيزنهاور» بإجبار إسرائيل على القيام بانسحاب مهين من قناة السويس في أعقاب قيامها بالاشتراك في العدوان الثلاثي على مصر، مهدداً بقطع كامل للمعونة وبعقوبات شاملة إذا لم تستجب لمطالب الولايات المتحدة. وعليه فإن الخلافات بين الطرفين ليست جديدة، وستعود المياه إلى مجاريها بأسرع مما تتصورون أيها العرب. *كاتب إماراتي