لا تخرج الردود على مشايخ الجهاد عن واحدة من هذه الحجج: لمَ تجلس في بيتك ولا تجاهد معهم؟! لمَ ترسل الشباب للجهاد وترسل أولادك للدراسة في الغرب؟! تدعو إلى الجهاد وأنت تتنزه في ربوع أوروبا وتقود أفخم السيارات؟! هذه راية غير شرعية، لأنها افتئات على سُلطة ولي الأمر! هذه المآخذ تستخدم لكشف كذب مشايخ الجهاد، وبيان خطأ منهجهم، لكن من الوهلة الأولى تعرف أنها مآخذ متهافتة يمكن دحضها بكلمة واحدة، بل يمكن أن تعطي مفعولاً عكسياً، وتؤكد لأهل الغفلة أو التشدّد أن دعاة الجهاد على جادة الصواب فعلاً! أن يجلس مفتي الجهاد في بيته لا يعني بالضرورة أنه يدجّل على الناس، فلا تلازم بين الأمرين، وليس من شروط الفتوى عند العاملين بها أن يعمل بها صاحبها، وربما كان المفتي أعمى، أو كسيحاً، أو ممنوعاً من السفر، كما أنه لو «فعلها» وخرج شاهراً سيفه سيعني بالضرورة أن فتواه صحيحة. هذا فضلاً عن أن بعضهم أفتى والتحق بمن أفتى لهم وهلك معهم، وهم من نطلق عليهم شرعيي كذا. وماذا نفعل مع المفتي الذي لم يرسل أولاده للدراسة في الغرب، أو الذي أخذ أولاده بفتواه وتسلّلوا إلى بؤر الاضطراب، أو الذي يلتف أولاده حوله في الكهوف ويسيرون معه بين السهول والوديان؟! هل تصبح دعواه صحيحة في هذه الحالة؟! وإذا كان هناك دعاة جهاد يقضون أوقاتهم بين المنتجعات الراقية، فثمة زملاء لهم لم يُعرف عنهم العيش الرغيد، ولا وضع البودرة على خدودهم قبل الوقوف أمام الكاميرات، فماذا عسانا أن نقول عن الذي يفتي بوجه مغبر، وجسم ناحل، وملابس رثّة؟! هل الغبرة والنحول والبلى دليل على صحة ما يتفوّه به؟! وأكثر المآخذ على دعاة الجهاد والتي تأتي بنتائج عكسية هي تلك التي يستخدمها الدعاة المناوئون لهم، حين يؤكدون من جهة ثبات مبدأ الجهاد إلى يوم القيامة، بل يكفّرون من لا يعتقد بذلك، وفي الوقت نفسه يؤكدون أن راية الجهاد لا تكون شرعية إلا إذا عقدها ولي الأمر. ولا أحد يعرف أي ولي أمر هذا الذي يحق له وحده عقد راية الجهاد، وهناك أكثر من خمسين دولة إسلامية، جميع رؤسائها يفترض أنهم يحملون تلك الصفة! كما أن طاعة ولي الأمر وفق هؤلاء مشروطة، ولو انتفى شرط منها لم تعد طاعته واجبة، وصارت الراية شرعية حتى لو لم يعقدها بيديه، وربما ظهر من تحت الأرض أخرق ونصّب نفسه ولياً للأمر، كما حصل مع أبي بكر البغدادي. شخص الداعي إلى الجهاد، وقيادته سيارة رياضية بقوة عشرة آلاف حصان أو تجوّله على ظهر حمار هزيل، وجلوسه في البيت أو في السينما، كلها اعتبارات شخصية لا علاقة لها بموضوع الجهاد، والراية غير الشرعية تصبح شرعية في لمح البصر عند من ينامون ويصحون على ما يقوله «أهل العلم»، وليس ما تأمر به الدساتير والقوانين. لن يتغير أي شيء ما لم ندخل في صلب الموضوع، ونذهب إلى مبدأ الجهاد نفسه، ونبحث في محلّه من الإعراب في ظل وجود الدول الوطنية، والجيوش الحديثة، والنظام العالمي، ومبدأ السيادة الذي يعطي قرار الحرب والسلام للدولة وحدها.