أعلنت معظم دول مجلس التعاون الخليجي موازناتها السنوية لعام 2017، والتي جاءت أفضل كثيراً من سابقتها لعام 2016. فميزانية الإمارات صدرت متوازنة، في حين استطاعت السعودية تخفيض العجز بنسبة كبيرة بلغت 33%، كما يتوقع أن ينخفض العجز في موازنة عُمان بنسبة 31% في العام الجاري. جاء ذلك ليس بسبب توقعات تشير إلى ارتفاع أسعار النفط من 45 دولاراً للبرميل في عام 2016 إلى 57 دولاراً في 2017 فحسب، وإنما أيضاً للإجراءات والإصلاحات المالية المهمة التي أقدمت عليها دول المجلس كافة، والتي ساهمت في الجانب الاقتصادي بزيادة الإيرادات، وفي الجانب الاجتماعي الحد من الاستهلاك المبالغ فيه، إذ للمرة الأولى منذ اكتشاف النفط لم يرتفع الطلب على الكهرباء في السعودية على سبيل المثال، بل إنه انخفض بنسبة 3%، وهو مؤشر إيجابي لترشيد الاستهلاك الناجم ليس عن الحاجة، وإنما عن رخص الأسعار. هذه المؤشرات والأرقام تشير إلى أن اقتصادات دول المجلس بدأت في الخروج من عنق الزجاجة بعد تراجع أسعار النفط قبل عامين، علماً بأن الأوضاع قد تكون أفضل من البيانات المعلنة على أساس أن دول المجلس وضعت موازناتها باعتماد سعر متحفظ للنفط يبلغ 50-55 دولاراً للبرميل، في الوقت الذي يتوقع أن يتخطى السعر هذا المعدل. ومع ذلك هناك في الخارج والداخل من يحاول إثارة «ثقافة الخوف» في المجتمع الخليجي دون أسس من خلال المبالغة في تفسير الإجراءات المتخذة، والتي تصب لصالح بناء اقتصادات حديثة وغير معتمدة على النفط، إذ يبدو أن نشر ثقافة الخوف يأتي بعد أن فشلت سياسات سابقة منذ عام 2011 لإثارة الفوضى في دول المجلس، مثلما حدث في البلدان العربية الأخرى، وذلك بفضل الوعي الخليجي بالمحافظة على ما تحقق من تنمية وخدمات راقية وبنية تحتية متطورة. هذا لا يعني أن الأمور مثالية مثلما كانت في سنوات الطفرات النفطية، وإنما هناك تحديات حقيقية تواجهها اقتصادات بلدان العالم، بما فيها الاقتصادات الخليجية، وهي ناجمة عن عوامل كثيرة لسنا بصدد تناولها هنا، إلا أن دول المجلس لا زالت تملك أدوات يمكن أن تساعدها على التغلب على هذه التحديات، والتي ستستمر في الفترة المقبلة. هذه ليست أول تحديات تواجه دول المجلس، بل إنها واجهت تحديات أخرى أصعب منها في عامي 1986 و1998 عندما تدنت أسعار النفط إلى 7 و10 دولارات للبرميل، في الوقت الذي تحدث المصاعب الحالية وسعر البرميل فوق 50 دولاراً. بالتأكيد الأوضاع مختلفة، إلا أن تضاعف الأسعار أيضاً مختلف، كما أن الأوضاع ستكون أفضل بكثير لولا عدم الاستقرار في المنطقة، وما تتحمله دول المجلس من تكاليف إضافية لحماية أوطانها ومكتسباتها وصد العدوان الذي يستهدفها، وهو أولوية لكل مواطن خليجي. منذ سنتين ووسائل إعلام خارجية ومحلية تحاول تصوير الاقتصادات الخليجية وكأنها على شفا الانهيار! متناسين أن المواطن الخليجي والمقيمين في دول المجلس لا زالوا يتمتعون بمستويات معيشية جيدة؛ إذ لا يوجد لدينا بشر يسكنون في المقابر ويعانون من الجوع، كما هو الحال في إيران التي تساهم في الحملة ضد دول المجلس، ولا يوجد لدينا آخرون يعبرون الحدود لشراء سلع غير متوفرة، كما هو الحال في فنزويلا، كما لا يوجد لدينا من يعيش في الشوارع، كما هو الحال في الغرب، بل على العكس لازالت أسواقتا تستقطب ملايين البشر للتسوق والسياحة والترفيه. الخلاصة، هي أن ثلاثاً من الاقتصادات الخليجية: الإمارات والكويت وقطر ستتغلب بسهولة على هذه التحديات، في حين تدير السعودية أكبر اقتصاد عربي يملك طاقات هائلة، حيث تُقدر الاستثمارات السعودية في الخارج بـ 3.6 تريليون دولار، أي 20% من حجم الاقتصاد الأميركي، في الوقت الذي يعتبر اقتصادا البحرين وعُمان صغيرين، ويمكن التعامل معهما في النطاق الخليجي.