يركّز النقاش العام حول سياسة دونالد ترامب الخارجية على محاربة الإرهاب وعلاقات الولايات المتحدة مع روسيا، ومنذ الانتخابات التي أجريت في نوفمبر الماضي، لم يقم الرئيس المنتخب بتعيين أي شخصية ذات خبرة في آسيا في منصب رفيع ضمن إدارته، وهو ما أثار قلقاً بين حلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادي بشأن المكانة التي ستحتلها المنطقة ضمن سلم أولويات البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة. غير أنه في الكواليس، ينكبّ فريق ترامب الانتقالي على إعداد استدارته الخاصة نحو آسيا. فبينما يتواصل تشكّل الفريق الذي سيتولى تطبيق تلك السياسة، تصعد إلى الواجهة مقاربةٌ تذكّر بإدارات جمهورية سابقة، ولكنها مقاربة تسعى أيضاً إلى تحقيق طموح إدارة أوباما إلى تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة. وفي هذا الإطار، يقول مسؤولون في الفريق الانتقالي إن إدارة ترامب ستتخذ موقفاً متشدداً من الصين، وستركز على تقوية التحالفات الإقليمية، وستولي اهتماماً متجدداً لتايوان، وستتبنى موقفاً متشككاً بخصوص التعامل مع كوريا الشمالية، وستعزّز وجود أسطول البحرية الأميركية في المحيط الهادي. وثمة مؤشرات على أن آسيا ستحظى بقدر كبير من اهتمام المسؤولين الأميركيين المقبلين. فريكس تيلرسون، الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية، أخذ يشير إلى بواعث قلق بشأن الصين في اجتماعات مع أعضاء مجلس الشيوخ خلال الأيام الأخيرة، حيث أخبرني بعض من حضروا تلك الاجتماعات أن «تيلرسون» كان واضحاً بشكل خاص بشأن ما اعتبره حاجة إلى الرد على العسكرة والتوسع الصينيين في بحر جنوب الصين. كما أشارت مصادر من الفريق الانتقالي إلى أن «ستيفان بانون»، الذي يُعتبر كبير المخططين الاستراتيجيين في فريق ترامب، مهتم جداً بالاستراتيجية الأميركية في آسيا. ويعتقد «بانون»، وهو ضابط بحري سابق في الأسطول الأميركي في المحيط الهادي، ومسؤولون رفيعون آخرون في فريق ترامب أن سياسة الاستدارة إلى آسيا التي اتّبعها الرئيس باراك أوباما كانت فاشلة عموماً، وذلك بسبب ما يعتبرونه إنفاقاً غير كافٍ على الدفاع خلال إدارته، وهو ما أضعف وعده بزيادة القوة العسكرية الأميركية داخل القارة الآسيوية. أما على صعيد تعيين السفراء، فيمكن القول إن وتيرة تعيينات ترامب في آسيا تفوق وتيرة تعييناته في مناطق أخرى من العالم، كما أنها تعيينات تشمل خبراء ومتخصصين في الشؤون الآسيوية. وفي هذا السياق، أفادت مصادر في الفريق الانتقالي بأن ترامب بات قريباً من اختيار «آشلي تيليس»، المسؤولة السابقة بالبيت الأبيض والخبيرة في الشأن الهندي، لتكون السفيرة الأميركية المقبلة إلى الهند. كما شعر المهتمون بالصين في واشنطن ببعض الارتياح بعدما اختار ترامب لحاكم ولاية آيوا «الجمهوري» تيري برانشتاد ليكون سفيره إلى بكين. غير أن ثمة أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن إدارة ترامب المقبلة ستضطر لإيلاء انتباهها لآسيا خلال أشهرها الأولى. فتعيين ترامب «بيتر نافارو» رئيساً لمجلس التجارة الوطني يُعد مؤشراً على أن صداماً اقتصادياً مع بكين يمكن أن يحدث عاجلاً وليس آجلاً. كما أن الصينيين لديهم تاريخ في اختبار الرؤساء الأميركيين الجدد من خلال بعض الأعمال الاستفزازية. وعلاوة على ذلك، فإن برنامجَي كوريا الشمالية النووي والصاروخي يحرزان تقدماً سريعاً، وترامب تعهد بوقفهما. وينكبّ فريقه حالياً على بحث إمكانية فرض عقوبات ثانوية تطبَّق على الشركات التي تساعد نظام كيم جونج أون، وهو ما سيخلق نقطة توتر أخرى مع الصين. ولكن تفاصيل عدد من هذه السياسات لم توضح بعد. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول «دان بلومانثل»، المسؤول السابق في البنتاجون المتخصص في الصين، الذي يعمل حالياً في «معهد المشروع الأميركي»: «بسبب الضرورة، ستضطر إدارة ترامب إلى التركيز على آسيا لأن الأحداث ستدفعها إلى ذلك. لن يكون لدينا اختيار، وهذا هو بيت القصيد»، مضيفاً «أما بخصوص رؤيتهم الاستراتيجية لكيفية التعامل مع التحالفات، فسيتعين علينا أن ننتظر لنرى ما سيحدث». بيد أن تركيز ترامب على آسيا ينطوي على فائدة أخرى بالنسبة إلى الإدارة المقبلة: ذلك أنه يمنح ترامب تبريراً مشروعاً -وإنْ كان يصب في مصلحته نوعاً ما- للعمل على تحسين العلاقات مع روسيا. إذ تستطيع الإدارة أن تحاجج بأن روسيا كقوة إقليمية لا تطرح مشاكل كبيرة مثل، أو بالقدر الذي تطرحه، الصين الصاعدة على الساحة العالمية والتي ما فتئت تزداد شراسة. لقد كانت لسياسة الاستدارة إلى آسيا التي انتهجها أوباما توقعات كبيرة ولكنها فشلت في تحقيق ما كان مرجواً منها. أما بالنسبة إلى إدارة ترامب، فيمكن القول إن الأمور تتطور على نحو مختلف. غير أنه إذا استطاع أعضاء فريق ترامب تحقيق مخططاتهم وتجنب أزمات غير ضرورية، فإن ثمة احتمالاً قوياً لأن ينجح ترامب في إكمال «الاستدارة» التي بدأها أوباما. جوش روجن* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»