تحتاج بعض التعليقات والتحليلات المتداولة حول تأثير وفاة الرئيس الإيراني الأسبق علي هاشمي رفسنجاني، إلى الوقوف أمامها وربما تصويبها أيضاً، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وبالأخص تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. المقلق هنا أن نعتقد (تحت ضغط المقارنة بين سياسة رفسنجاني «الإصلاحية» وسياسة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي المحسوب على المتشددين) أن رفسنجاني كان الأفضل في التعامل مع الجوار الخليجي، وبالتالي فإن وفاته تظهر وكأننا فقدنا معها شخصاً لم تكن له طموحات سياسية في المنطقة، أو أنه كان يكبح تمدد المتشددين، وبالتالي نكون قد وقعنا في مشكلة، حيث يقودنا هذا التفكير إلى حالة من الاسترخاء السياسي حيال من يطلق عليهم الإصلاحيون، أو تمني وصول شخصية إيرانية بمواصفات رفسنجاني إلى سدة الحكم في إيران، اعتقاداً منا أنه سيكون أفضل تعاملاً مع دول الخليج العربية من زعيم ينتمي لتيار المحافظين. هناك كلام متداول بشكل واسع، يصل إلى حد التعاطف أحياناً مع من يسمون «الإصلاحيين»، وهناك من يعتقد أن العالم خسر رفسنجاني باعتباره سياسياً إيرانياً كان دائماً على علاقة جيدة بالجوار العربي، بل عمل على تحسين العلاقات معه، وأن الكثير من سياسات الانفتاح على العالم الخارجي كانت تتم بضغوط منه! بل هناك ما يشبه «قاعدة سياسية» يتداولها بعض المراقبون، مفادها أنه إذا وجدت السلوك النظام السياسي الإيراني يتميز بالتشدد مع الخارج، أو حتى مع الداخل الإيراني نفسه، فتأكد أنها إشارة واضحة إلى أن رفسنجاني مُغيَّب أو متراجع سياسياً، ومعنى ذلك أنه ينبغي علينا انتظار الأسوأ بعد وفاته، سواء على مستوى الصراع بين التيارات داخل إيران أو على مستوى السياسة الخارجية الإيرانية، وكأن العالم العربي لم يعانِ في عهده من سياسات إيران! مثل هذا الكلام بحاجة إلى مراجعة، ولا ينبغي أن ننسى أن التقسيم السياسي في إيران بين محافظين وإصلاحيين إنما هو للاستخدام الخارجي فقط، لكن الحقيقة هي أن طموح إيران إلى فرض نفوذها على المنطقة هو «استراتيجية فارسية» لا علاقة لها بالشخص، بل إن كثيراً من المشاريع السياسية الإيرانية الأكثر خطراً، مثل البرنامج النووي وغيره، إنما تمت حين كان الإصلاحيون في سدة الرئاسة، وإن كان الاعتراف بوجود البرنامج النووي خصوصاً قد تم في عهد أحمدي نجاد. لا أحد يمكنه أن ينكر أن رفسنجاني زار السعودية وكانت مواقفه هادئة مع الخليج، وأن الانفتاح الاقتصادي الإيراني حدث في عهده، لكن ينبغي ألا ننسى أيضاً أن رفسنجاني لم يحلَّ أياً من الخلافات السياسية، بل كان في الواقع هو صاحب نظرية عدم التصادم المباشر مع العرب، لكنه لم يخرج في توجهه عن التوجه العام للسياسة الإيرانية، أي التناقض بين التصريحات والأفعال. وفي العهد الحالي برئاسة روحاني، تلميذ رفسنجاني، هاهي إيران تقوم بأكبر تمدد لها في الدول العربية، مهيمنةً على اليمن وسوريا، وقبلهما العراق. وبالمقابل كان أحمدي نجاد، الموصوف بالتشدد، أول رئيس إيراني يزور دول الخليج ويحضر قمة خليجية في الدوحة، لذا لا ينبغي أن نبالغ في تقدير غياب رفسنجاني، بل يمكن القول إن سياسته الخارجية ستستمر لأنها تحقق أهداف الثورة. يعد رفسنجاني من أكثر السياسيين تأثيراً في القرار الإيراني، ومعروف عنه أنه «صانع الزعماء والرؤساء»، بمن فيهم آية الله الخميني نفسه، لهذا من المهم قبل الحديث عمن يمكن أن يكون في صالح العرب، ألا ننسى أن رفسنجاني واحد من أبناء الثورة الإيرانية الذين وضعوا دستورها الذي يتبنى تصدير الفوضى إلى دول الجوار، وبالتالي لا يمكن للمراقب العادي أن يقلل من تأثير الأعمال السياسية التي قام بها رفسنجاني على الوضع الجيوسياسي الذي نراه اليوم في المنطقة، وهو صاحب القرار المؤثر في الحرب مع العراق وفي إقناع قادة إيران بقبول التعاون مع الأميركيين لإسقاط نظام صدام حسين. ينبغي ألا تنسينا سلوكيات غطرسة المحافظين في التعامل مع الجوار العربي، بأن رفسنجاني هو صاحب نظرية «عدم التصادم» المباشر مع الجوار العربي، وأن يكون البديل هو المشروعات «الاجتماعية» الإيرانية التي تعني التدخل في الشؤون الداخلية تحت مسمى الأعمال الخيرية وبإشراف من الاستخبارات الإيرانية، من خلال تقديم الدعم للأقليات في العالم العربي، وهو ما ظهر على شكل ميليشيات «حزب الله» اللبناني، النواة الأساسية التي تكررت نسخها فيما بعد، مع الحوثيين في اليمن و«الحشد الشعبي» في العراق. وكما تقلقنا السلوكيات السياسية لتيار المحافظين في إيران، فإن الإصلاحيين، وضمنهم رفسنجاني، لا يختلفون عنهم فيما يخص العلاقات مع الجوار الجغرافي.