كلنا يحب أن يعيش طويلاً ولكن بشرط أن يبقى شاباً. حين سئل «أيجينو بوركو» (102 عام من ساردينيا)، عما يجب على الإنسان فعله كي يكمل مئة عام، أجاب الرجل بابتسامة عريضة: أنصحه أن لا يموت قبل ذلك! ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف عليه بالأحرى أن تُكتب له الولادة في قرية «فيلاجرانده ستريسيلي» في جزيرة ساردينيا. إنها قرية ترتفع بعلو 700 متر فوق بحيرة «تيرين». كان الرومان في ما سبق يطلقون على أجداد «بوركو» اسم «البرابرة»، لأنهم يعيشون في مكان ليس للعيش، ومنه سميت المنطقة الصخرية في معظمها «بارباجيا». أرض البرابرة اليوم هي أرض المئة عام، حيث تعثر على أناس شتى، رجالاً ونساءً، بأعمار القرن في كل زاوية، على نحو اعتيادي جداً. تراهم والبريق في عيونهم، والحيوية في مفاصلهم، ولا يبدو عليهم خرف أو تقوس ظهر أو طقطقة مفاصل أو عشاوة في البصر أو زهايمر يأكل أدمغتهم. إنهم يتمتعون بحيوية ونشاط وقدرة على الضحك.. وبشكل مذهل، مما دفع فريقاً علمياً إلى زيارتهم لمعرفة سر هذه الظاهرة. كرر «بوركو»، ويتكئ على عصاه، وصية والده: اعمل اعمل.. هذه نصيحة والدي وقد التزمت بها طيلة حياتي. ثم أضاف: عملت راعياً في عمر سبع سنوات. لم أذهب للمدرسة، أما القراءة والكتابة فتعلمتهما بنفسي. قدم «بوركو» للفريق العلمي صورة له وهو يرتدي بزة عسكرية عام 1935! قال: كنت يومها في جيش موسوليني في حرب الحبشة. بعدها رجعت إلى قريتي وأسست عائلة، أنجبت بنين وبنات وحفدة كثيرين. صرت أزرع الفاكهة وأحتطب في الغابة. ليس «بوركو» الوحيد الذي قفز بعمره فوق حافة القرن، بل يتحلق حوله ستة من أقرانه ممن تجاوزوا المئة. قريته فيها 3300 نسمة، نصفهم من الرجال ونصفهم من الإناث، أعمارهم كسرت المقولة التي تزعم أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجال. هنا في «فيلاجرانده» يعيش الجنسان أعماراً متقاربة. وحسب الطبيب المختص بالشيخوخة «جياني بيس»، من جامعة «سازاري» بشمال جزيرة ساردينيا، فالأمر هنا ليس للمصادفة، بل هناك ما تنبغي إماطة اللثام عنه، أي سر التعمير. في مقبرة القرية نقرأ على لوحة القبر «داميانا سيتي» (1877 -1985)، أي أنها عمرت 107 سنوات، وهو رقم قياسي. وهناك في المقبرة 40 قبراً عاش أصحابها كلهم عمر المئة ويزيد، مناصفة بين النساء والرجال. إن حلم الإنسان في طول العمر وقهر الموت قديم، وقد جاء في ملحمة جلجاميش منذ أيام «أوروك» في العراق القديم. وحسب «بيتر فارب»، في كتابه «بنو الإنسان»، فإن طول العمر يعود إلى ثلاث عناصر: سعرات قليلة في الطعام، عمل إلى عمر متأخر، وحياة اجتماعية خصبة. وفي الدراسة الحديثة التي بين أيدينا، هناك ست نصائح، منها ثلاث «لا تفعل»، وثلاث أخرى «افعل». الثلاث الأولى هي: لا تعاقر الخمر، لا تدخن، لا تعمل عملا قاسياً مرهقاً. أما الثلاثة الأخرى فهي: الحركة باعتدال، والغذاء المعتدل، وتربية الأطفال في عائلة سعيدة. أما سر الموت والحياة فقد كشفته السيدتان «بلاكبورن» و«كرايدر» حين كشفتا سر الشيخوخة والموت في نهاية ذَنَب الكروموسوم حين يتفكك ويتآكل. ولحمايته قام الثنائي «شاي» و«وايتهد» بتغذية الانقسام الخلوي بخميرة تمنع التآكل (التيلوميراز)، فتابعت الخلايا انقسامها بمتعة وحيوية. وفي العادة نحن نستهلك أجسادنا بهذا الانقسام الخلوي حين يصل معدله مستويات معينة. وأخيراً، علينا أن لا ننسى أن نوح عليه السلام عاش أكثر من ألف عام، وأن فتية الكهف امتد بهم العمر ثلاثة قرون، بآليات فسيولوجية ينبغي تفسيرها على ضوء المعارف العلمية الراهنة.