تمثل «السوق» حقاً أحبولة العصر، فهي تنتج وتعيد إنتاج ما ظهر وما خفي، لتصنع ما يشتغل فيها وتشتغل فيه، لذلك يتعين علينا أن نقدم بعض التعريفات لـ«العولمة» مستقاة من مرجعيات عصرها، وتعريفاً آخر ذا بنية مركبة من عدة تعريفات. إن التعرض لـ«العولمة» تعريفاً ووظائف ربما يفتح لنا أبواباً مغلقة قد تخفي الحقيقة أو عبقاً منها. ما يحدث في العالم الغربي خصوصاً على صعيد مصائر العالم والشعوب، له حضور في ما نحن بصدده الآن. وهنا قد نجد نسباً مشتركاً بين العولمة وبين تنظيم إرهابي عابر للحدود مثل «داعش»، وهذا قد يلقي أضواءً ساطعة على الأمرين، وعلى مسار «القتل الطائفي» في سوريا خاصة. فالنظام الاقتصادي والتشريع المجتمعي للعلاقة بين المنتجين والمستهلكين قام على ملكية خاصة، أما الضبط الاقتصادي والاجتماعي النظري فانطلق من إلحاق طبقة كبرى بعالم العوز والحاجة، ما مثّل طريقاً لتحويل هؤلاء إلى سلع للاستهلاك، وكذا الأمر فيما يتصل بالمجتمعات التي أصبح للسلع دور تاريخي واقتصادي في توجيهها. وذلك ما شدد عليه ماركس بالقول: كلما ارتفعت قيمة الأشياء، أي السلع، هبطت قيمة الإنسان، ومن هنا يأتي الاستهتار بقيمة البشر. وإذا وضعنا على آلية الوجود الاقتصادي والمجتمعي والأخلاقي ما عُرفت به، وجدنا ذلك متساوقاً مع وجود البشر كماهية استُبيحت هوياتها البشرية، لصالح «السلعة السوقية»، أي أخطر ما مر في تاريخ العالم من مُنتجات وأموال. ودون التوسع في ذلك نلاحظ أن «النظام العولمي» الراهن بحاجة للتدقيق في كثير من قضاياه، ليكتشف موقعها في بنية تعريفاته. ومن شأن ذلك طرح السؤال حول ما إذا كان في إحدى صيغه الراهنة ما يمثل موضع إشكال. هناك تعريفات مختلفة تفترض الاختلاف في النتائج المسحوبة منها، وهنا سنأخذ بالتعريف الذي قدمه الدكتور برهان غليون حول العولمة، حيث يقول: «عندما نقول إن العولمة تعني خضوع البشرية لتاريخية واحدة، فهذا يعني أنها تجري في مكانية ثقافية واجتماعية وسياسية موحدة، أو في طريقها إلى التوحيد». ولعلنا نرى في الرأي المذكور ما قد يكون موضع خلاف، أما ذلك فيحيلنا إلى آراء تقف مع ما أعلنه غليون على نحو مخالف، ثم قد يكون أحد المنطلقات في النظر إلى ذلك ما أعلنه كارل ماركس في مخطوطاته: «كلما ارتفعت قيمة الأشياء، هبطت قيمة الإنسان»، ونظراً لأهمية النزوع لإسقاط الخصوصيات التاريخية، فإن الأمر سيقود إلى نتائج تضع الجميع في الجميع، بالانتهاء إلى أن التطور العالمي الهائل الذي سيفضي إلى وضع الجميع في حلقة الجميع، وإلى الحكم بانتهاء الخصوصيات في التطورات المختلفة. ولو حدث ذلك لكان ما تحدث عنه بوغنون الأميركي في كتابه (أميركا التوتالتارية)، حيث وضع يده على «نظام العولمة» باعتباره «السوق المطلقة»، بعد أن أصبحت السلع والأموال سيد الموقف. أن تكون العولمة هي «السوق المطلقة»، فذلك يعني إعادة النظر في كل التاريخ، وفي تعريف النظام العولمي، والقول بأنه نظام اقتصادي سياسي، يسعى إلى ابتلاع الطبيعة والبشر وهضمهم وإخراجهم سلعاً في السوق. كما يمكن القول إن معارك سوريا هي تفكيك للتاريخ العربي الذي لم يخل من شعوب أخرى غير عربية ظلت لها حقوقها وواجباتها.. أما التفكيك الحالي فسلك مسلك التركيز على التشيع دون غيره أساساً، وهذا من معالم التوجهات العولمية التي تعني أن تكون كل الأشياء شيئاً واحداً يتمثل في تفكيك التكوين العروبي والإسلامي، وجعلهما مماثلين للمال والسلع في النظام العالمي الجديد.