الإدارة الأميركية الجديدة ستواجه روسيا في الشرق الأوسط في ظل قضايا مستمرة ومستجدات منذ الإدارتين الأميركيتين السابقتين (بوش الابن وأوباما)، فهذه المقالة تفترض بالأدلة الواقعية أن علاقة روسيا الاتحادية والولايات المتحدة بقيادة ترامب ستتحدد من خلال ملف المليشيات الشيعية والجماعات المسلحة السُنية كفاعلين من غير الدول. وثمة حقيقة لا تقبل الجدال بأن تلك «المليشيات والجماعات الإسلامية المسلحة» تمثل وتتأثر بإرادة وسياسة دول بعينها، لذا من يتحكم ويسيطر عليها سيرسم طبيعة العلاقة بين العملاقين الأميركي والروسي في منطقة الشرق الأوسط. يمثل وضع ودور الجماعات والمليشيات المسلحة الإسلامية بشقيها السُني والشيعي في الشرق الأوسط محلاً يعكس حلبة الصراع بين واشنطن وموسكو، فهذه الجماعات لها دورها الكبير في العراق ولبنان واليمن وسوريا وليبيا وإلى حد ما مصر وفلسطين، وهي تزعزع سيادة الدولة القومية وتخدم مصالحها ومصالح دول معينة، وتلعب أيضاً دوراً في المتغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط والمتغيرات الدولية. فترامب سوف يمسك ملف محاربة «داعش» في العراق، الذي حمل دوراً كبيراً للمليشيات الشيعية التابعة لإيران في تحالفها مع واشنطن، وفي حال توترت العلاقة بين واشنطن وطهران سيقود الأخيرة إلى زعزعة أمن العراق في وجه المصالح الأميركية، ولن تجد إيران سوى الانطواء تحت حضن الدب الروسي. فالنظام الإيراني الشيعي له أذرع في المنطقة العربية من خلال المليشيات والأحزاب الشيعية، وقد سخرت موسكو تلك المليشيات الشيعية ونظام الملالي في «إيران الملالي» من أجل إدارة الثورة السورية نحو نتائج ربما تعود لمصالح روسيا وبقاء هيكل نظام «البعث» السوري مع احتمالية رحيل بشار من هرم السلطة. على الجانب الآخر تبدو واشنطن ضعيفة في علاقاتها مع تركيا على عكس روسيا منذ محاولة الانقلاب العسكري على حزب «العدالة والتنمية» مع تمادي واشنطن في دعم حزب «الاتحاد الديمقراطي» لأكراد سوريا وعدم إعطاء أنقرة دوراً في حرب الموصل، فتركيا لها قوة مهمة أتت من علاقاتها مع بعض الجماعات السُنية في الشرق الأوسط وخاصة السورية منها، حيث تكمن المصالح والمبادئ بين «تركيا والجماعات المسلحة السُنية السورية» في سقوط أو رحيل بشار عن السلطة وتشكيل نظام سياسي سوري جديد، وهذه العلاقة تعكس محوراً مهماً في إطار الهدنة الجارية في سوريا والصراع بين الكتلتين السُنية والشيعية في المنطقة، ولا أحد يزاحم تركيا إقليمياً بشكل رسمي في تمثيلها للجماعات المسلحة السورية السُنية. ومن الصعوبة بمكان على ترامب منافسة موسكو بمصالحها الاقتصادية والأمنية مع تركيا، فلن يستطيع «ترامب» جر تركيا الحليف التقليدي للغرب نحو سياساته في إضعاف الدور الروسي في سوريا والشرق الأوسط، ونعلل ذلك ببساطة بأن ما توصلت إليه موسكو وأنقرة في الثورة السورية وعلاقات المصالح بينهما يخدم أمن واستقرار الشرق الأوسط، وهو أفضل من سياسيات الوطواط الأميركي الذي يحلق في سياسة مظلمة في المنطقة. فواشنطن مسؤولة عن الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ومحاولة تفكيك دول هذه المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية ودينية، وتضارب مصالحها مع دول مجلس التعاون حيث لم يلعب البعد التاريخي دوره في علاقات الثقة المتبادلة، أما الخلفية التاريخية لشخصية بوتن فتضعه في خانة الأكثر وضوحاً وصبراً وحنكة، والأقرب إلى مطلب استقرار منطقة الشرق الأوسط. وعند التمعن في من يتحكم في «المليشيات الشيعية والجماعات المسلحة السنية» من باب المصالح والدعم وبُعد العقيدة الدينية، نجد أن ترامب يبدو ضعيفاً أمام بوتين، فالدائرة الروسية في الشرق الأوسط تحتوي علاقات قوية مع المليشيات الشيعية عبر علاقتها المتميزة بإيران، إلى جانب نجاح موسكو في إحداث علاقات مع الجماعات المسلحة السُنية في سوريا عبر الجسر التركي الذي يربط مصالحه الخاصة بمبادئه في الثورة السورية، كما أن كلا من أنقرة وطهران، بعلاقته الاقتصادية والأمنية والجغرافية مع حكومة أربيل، يعكس تعزيز العلاقة بين موسكو وأربيل، أما ترامب فهو مقبل على توتر في العلاقات الأميركية- الإيرانية، ويرث من الإدارة السابقة لأوباما ضعف العلاقات مع تركيا ودعم حزب «الاتحاد الديمقراطي» لأكراد سوريا، ومشاركة إيران في أمن العراق وعلاقات قوية مع حكومة أربيل، لذا من المحتمل جداً أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات نحو تقارب روسي- أميركي في شؤون الشرق الأوسط، وهو تقارب تمليه اعتبارات من هو الأكثر سيطرة على تلك المليشيات الشيعية والجماعات المسلحة السُنية. أما القول بأن واشنطن ستعزز مكانتها في الشرق الأوسط عبر إسرائيل ودورها، فهذا يخالف حقيقة كون إسرائيل المدعومة دائماً من واشنطن سياسياً وعسكرياً لا تتوارى عن المشي مع الجواد الرابح في الشرق الأوسط، مثال ذلك أن علاقاتها قد توترت مع موسكو في حرب «أوسيتيا الجنوبية» 2008 مع جورجيا، والآن تحاول تل أبيب أن تُعظم من دورها ومكاسبها- كالعادة- بتعاونها مع موسكو. رغم حقيقة بقاء التنافس الأميركي- الروسي في الشؤون الدولية من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط حتى تنامى دور الصين في الاقتصاد العالمي، وهذا يُحسب لصالح قوة الدور الروسي، فإن هناك مسألة متناهية الأهمية تحدد العلاقة بين موسكو وواشنطن، تتمثل في «الجماعات والمليشيات السُنية والشيعية»، والارتباط الأمني بين الشرق الأوسط والمناطق المتاخمة له من أوروبا وآسيا الوسطى وأمن المواصلات الدولية من الطيران والملاحة، وهذه المسألة تتفرع إلى انتشار الأسلحة بأيدي تلك الجماعات وتزايد جرائم الإرهاب الفردية والجماعية في العالم بأسره، والتفرع الآخر يأتي من قضية سيول اللاجئين إلى أوروبا وغيرها من الشرق الأوسط. ففي المستقبل، سنختبر ونعاصر مسألة «المليشيات والجماعات المسلحة السُنية والشيعية ومن يتحكم فيها» من أجل تحديد طبيعة العلاقات القادمة بين ترامب وبوتين في الشرق الأوسط.