أسعار النفط المتدنية، وما يصاحب ذلك من أزمات اقتصادية، وضعت العديد من دول العالم النامي المصدرة للنفط أمام تحديات ومشاكل، تنبأ العديد من المصادر الغربية المتخصصة، كبيوت الخبرة الاقتصادية ومراكز البحوث والدراسات، أن يطال شيء منها دول مجلس التعاون الخليجي، أو في أسوأ الأحوال أن تضربها بقوة كما ضربت غيرها. لكن الذي حدث في الدول الست لم يكن بذلك السوء أو أن عدداً منها كدولة الإمارات العربية المتحدة وقطر لم يطالها شيء من ذلك الذي مرت به دول العالم النامي المصدرة للنفط الأخرى، واستطاعت أن تتجاوز الأزمة بخير وسلام. ما توقعه العديد من الدوائر الغربية كان قاتماً، حيث قال الكثير منها بأن انخفاض أسعار النفط الخام سيحرج كثيراً دول «المجلس»، وسيضعها بقوة تحت مجهر الإعلام من حيث عدم القدرة على مواجهة مطالب الشعوب، ويساعد على تأثر المجتمعات بما يحدث في الدول العربية الأخرى من فوضى وهيجان وصراعات سياسية واجتماعية وصل في البعض منها كسوريا إلى حد الثورة العارمة. المرء لا يستطيع أن ينكر بأن منطقة الخليج العربي ودولها كافة تمر منذ عام 1979 بأزمات وحروب، وبأن عدداً من الدول تعاني من أزمات ومشاكل تنقسم إلى داخلية وخارجية، وبأن دول المجلس تواجه التهديدات والمخاطر التي تتسبب فيها إيران بالتحديد، الأمر الذي نتج عنه سباق تسليح وصراع حدود فرض عليها فرضاً بسبب الممارسات والنوايا التوسعية وشعارات تصدير الثورة والرغبة في التوسع في أراضي الغير والسيطرة على المقدرات الاقتصادية، والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية والخارجية التي تقوم بها إيران. والواقع هو أن مثل تلك الممارسات غير الواعية تعود بشكل سلبي على إيران ذاتها أكثر من ما تؤثر به على دول المجلس. فإيران هي التي تعاني من المشاكل السياسية في الداخل ومن الضعف الاقتصادي والبطالة المتنامية ومن المطالب الاجتماعية والسياسية الداخلية التي لا حصر لها. وهذه جميعها مؤشرات على أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران ليست على ما يرام، وتمر بمشاكل كبرى يصعب حلها. وما يطرح في الغرب من أقاويل بأن تراجع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية قد أثرت بشكل سلبي كبير على دول المجلس يجانبها الصواب، حيث تشير الكثير من الدلائل في جميع دول المجلس، بما في ذلك تلك التي عانت خلال العامين المنصرمين من عجوزات في موازناتها السنوية كالمملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة البحرين وسلطنة عمان، تمكنت حتى الآن من الصمود عن طريق استخدام آليات وأدوات مالية واقتصادية ساعدتها كثيراً على تجاوز المواقف الصعبة التي مرت بها. وكمثال على ذلك، نشير إلى الميزانية السنوية لعام 2017 التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية، حيث تم التمكن من إيجاد مصادر مبتكرة لتمويلها بعيداً عن الاعتماد الكامل على النفط الخام كمصدر وحيد للدخل ومن تخفيض العجز الذي وُجد في موازنات السنتين السابقتين 2015 و2016 بشكل كبير جداً في موازنة عام 2017. وما تم القيام به في السعودية لابد وأن يتم القيام بأشياء شبيهة له في دول المجلس الأخرى، في إطار المحاولات القائمة لتفادي الأزمة الطارئة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية. وما يمكن طرحه بثقة هو أن دول المجلس مقبلة على العام الجديد، وهي على ثقة بأنها ستتمكن من الخروج من سحابة صيف انخفاض أسعار النفط وهي أكثر قوة وثباتاً في عالم اليوم الذي يسوده الصراع والتوتر والتراجع الاقتصادي، فعام جديد سعيد أيها الخليجيون لأنكم أمة أثبتت طوال التاريخ بأنها قادرة على الخروج من الأزمات بشموخ وثبات، وأن تشق طريقها بعيداً عن كل ما يقوله الآخرون حول شؤونها، فأهل مكة أدرى بشعابها. د. عبد الله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي