هؤلاء الذين وصفوا أوروبا، وألمانيا خاصة، بأنها ضعيفة للغاية، ولا تستطيع وقف موجة مزعومة من الجريمة الناجمة عن وصول أكثر من مليون طالب لجوء، ينبغي أن ينتبهوا للأخبار. لم تستغرق الشرطة الألمانية وقتاً طويلا لتنظيم نفسها، حتى تراجعت جرائم المهاجرين بشكل حاد. وأساليب الشرطة الألمانية، التي تنطوي على نوع من التشخيص العنصري (أو السلوكي)، ربما تكون مثيرة للجدل، لكنها تثبت فعاليتها. في ليلة رأس السنة عام 2016، تعرضت أكثر من 500 سيدة للتحرش، و22 للاغتصاب، قرب المحطة المركزية في مدينة كولونيا على يد حشد من الشباب، معظمهم من أصول شمال أفريقية. وقد فاق عدد هؤلاء عدد رجال الشرطة الذين تعرضوا للإهانة. وبعد مرور أيام قليلة، تم فصل رئيس الشرطة في المدينة. وتعرضت العمدة «هنرايت ريكر» للسخرية لأنها نصحت النساء بالتزام «قواعد السلوك»، وضمنها مسافة «طولها ذراع» بعيداً عن الغرباء. وقد جعل هذا ألمانيا تبدو ضعيفة ومرتبكة، ووجد كثير من منتقدي قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فتح حدود البلاد لطالبي اللجوء المجال مفتوحاً لانتقادها. وفي 31 ديسمبر، 2016، غمر نحو 1700 من رجال الشرطة حي المحطة الرئيسة في كولونيا. كانوا يفحصون الوثائق ويدفعون الشباب إلى الشاحنات. وبينما كان هذا يحدث، ظهرت تغريدة على الحساب الخاص بقوة شرطة كولونيا تقول: «في محطة القطار المركزية تتم الآن مراجعة هويات بعض المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا (نافريس)»، ما أطلق العنان لموجة من الانتقادات المتوقعة من الساسة اليساريين الذين أطلقوا المصطلح «إهانة الكرامة البشرية»، واتهموا شرطة كولونيا بالتشخيص العنصري. واعتذر رئيس الشرطة «يورجن ماتيس» قائلاً، إن تعبير «نافريس» الذي استخدمته الشرطة ليلة رأس السنة «قد استعمل بشكل سيئ»، إلا أنه دافع في نفس الوقت عن عمل جهازه. وعلى أي حال، لم يتم الإبلاغ سوى عن القليل من الاعتداءات، ولم تحدث أي حالات اغتصاب. وقال رئيس الشرطة: «من تجربة ليلة رأس السنة العام الماضي، ومن الخبرة المكتسبة من الحملات السابقة، برز انطباع واضح هنا عن الأشخاص الذين تتعين مراقبتهم». واستطرد موضحاً: «لم يكن بينهم كبار السن أو الشابات الشقراوات». ورغم أن وزارة الداخلية الألمانية شعرت أيضاً بالحرج بسبب تغريدة «نافيس»، فإن ماتيس لن يتم فصله. فقد تم الثناء على الإجراءات الاستباقية التي قام بها، وذلك من قبل مسؤولين فيدراليين ومحليين، بينهم العمدة ريكر، التي كانت ضعيفة قبل عام. لم تقبض الشرطة الألمانية على مرتكب الهجوم الإرهابي الذي وقع قبل عيد الميلاد في برلين، لكن التحقيقات التي أدت إلى حملة مطاردة واسعة النطاق في أوروبا بحثاً عن «أنيس العمري» كانت سريعة ودقيقة. وقبل حلول العام الجديد، قبضت الشرطة على رجل سوري كان على ما يبدو يخطط لتنفيذ هجوم إرهابي آخر. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية في ألمانيا في حالة تأهب قصوى، وأنها ممولة تمويلاً جيداً. في عام 2016، حصلت وزارة الداخلية على زيادة في ميزانيتها بقيمة 1.5 مليار يورو مقارنة بالعام السابق، وتم السماح للشرطة الفيدرالية بتعيين 3000 ضابط إضافي. وفي 2017، من المقرر زيادة ميزانية الوزارة بنحو 500 مليون يورو إضافية، لتبلغ 8.3 مليار يورو. إن ارتفاع معدلات الهجرة في الأشهر الأحد عشر الأولى من 2016، بلغ بعدد طلبات اللجوء لألمانيا 723027، مقابل 476649 في عام 2015، تقود إلى زيادة الموازنة. وهذا يستند إلى بعض الحقائق الصعبة. ففي 2015، بلغت نسبة الجرائم التي ارتكبها المهاجرون 6.5% من كل الجرائم المرتكبة في ألمانيا، مقابل 3.6% في 2014. وفي 2016، قد تكون هذه النسبة أعلى. وفي الأشهر التسعة الأولى ارتكب المهاجرون 214600 جريمة، أكثر من العدد المسجل في 2015 والبالغ 206201، وكان معدل الجريمة بشكل عام مطرد في السنوات الأخيرة. وبالنسبة للمهاجرين من شمال أفريقيا، فهم الأقل التزاماً بالقانون: وهم يشكلون 2% من سكان ألمانيا المهاجرين، لكن في الأشهر التسعة الأولى من 2016، أصبحوا يمثلون 22% من جرائم المهاجرين. وفي الربع الثالث من 2016، انخفض معدل الجرائم التي يرتكبها مهاجرون بنحو 23% مقارنة بالربع الأول من العام. وربما يرجع ذلك إلى أن الشرطة تقوم بمراجعة أعداد المهاجرين والاتجاهات التي يعكسونها، ولا تعبأ كثيراً بأن توصف بالعنصرية. ليونيد بيرشيدسكي* *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»