ربما لم يكن كتاب «العصا الغليظة.. حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية» ليحظى بجل الاهتمام الذي يحظى به الآن، لو فازت هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ذلك أنه على الرغم من كافة التهديدات القوية التي أدلى بها الرئيس المنتخب دونالد ترامب ضد تنظيم «داعش»، فإن هيلاري كان يُنظر إليها على أنها أكثر رغبة في التدخل في الخارج وربما أكثر «صقورية» بدرجة أكبر من منافسها. غير أن ترامب، المعروف بأنه يميل إلى الانعزالية ولديه شغف غريب بالرئيس فلاديمير بوتين، وتصور مقلق لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، هو من فاز، وذلك ما يجعل كتاب «العصا الغليظة»، الذي ألفه «إليوت كوهين»، المستشار السابق لـ«كوندليزا رايس» في وزارة الخارجية الأميركية، بمثابة انتقاد واضح لرؤية الرئيس المنتخب للعالم. ويتضح الموضوع الرئيس للكتاب من خلاله عنوانه الفرعي، «حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية»، وغلافه التوضيحي الذي يحمل صورة قريبة لحذاء عسكري على الأرض. ويقدم المؤلف في كتابه دعوة قديمة وغير خجولة، وصارمة، من أجل استخدام القوة دفاعاً عن أمن ومُثُل الولايات المتحدة الأميركية. واعتبر «كوهين» أن العزوف عن استخدام القوة العسكرية ستكون له تكلفة أخلاقية ومادية كبيرة في عالم الأنظمة المارقة والتنظيمات الدينية المتطرفة والعصابات الإلكترونية والقوى المنافسة المتنمّرة مثل الصين وروسيا. وأشار في مقدمة كتابه إلى أن «الفرص تتزايد بأن تجد الولايات المتحدة نفسها تستخدم القوة العسكرية بصورة مزمنة، وعلى صُعُد متباينة من الكثافة، طوال عقود القرن الحادي والعشرين». وربما يكون من الخطر في كتاب «كوهين» رؤية العالم من منظور المخاطر التي تحدق به، وبالطبع من لديهم ميول حمائمية سيقترحون من دون شك حلولاً مختلفة للمشكلات التي يطرحها المؤلف في كتابه. وفي قائمة المخاوف التي يقدمها «كوهين»، تحتل الصين الصدارة، بسبب تجاوزاتها البحرية، معتبراً أن عدوانها قد يعيد تشكيل النظام العالمي، خصوصاً إذا بدأت صراعاً مع دولة أو أكثر من حلفاء الولايات المتحدة. ويثير العدوان الروسي مخاوف المؤلف أيضاً، لا سيما بعد أن أصبحت في الدول الغربية حكومات متعاطفة مع المستبدين، في إشارة إلى حكومتي المجر واليونان، اللتين أظهرتا تعاطفاً تجاه بوتين. ولم يكن يتوقع عندما ألف كتابه أن يضيف إلى القائمة الرئيس الأميركي. وفيما يتعلق بالنظام العالمي الجديد، يتصور المؤلف أن الطريقة الوحيدة لمحاربة الإرهاب العالمي بأسلوب فعّال هي من خلال حملات عسكرية طويلة ومستمرة على الأرض، إلى جانب الضربات الجوية، وقال: «تخيلوا مدى الاستقرار الذي كان سيترسخ في ليبيا الآن، لو أن الولايات المتحدة وحلفاءها أرسلوا قوات إلى هناك بعد الإطاحة بمعمر القذافي مباشرة!». غير أنه كي تجدي هذه الاستراتيجية، فلا بد أن يجري كل من الشعب والقادة الأميركيين تعديلاً نفسياً جذرياً، وأن يفكروا بطريقة أكثر مرونة وبصبر، بشأن الحرب. وسيكون عليهم قبول أن الصراعات المستقبلية ربما لن يمكن حسمها سريعاً، ولن تكون سهلة. وكتب «كوهين»: «مثل هذا التقدير سيختبر شخصية الساسة الذين يأملون بصورة طبيعية أن يتمكنوا من إنهاء فتراتهم في المنصب بانتصارات، أو على الأقل إنهاء الحروب التي بدؤوها أو ورثوها». بيد أن هذا هدف بعيد المنال لأي مسؤول منتخب، ويبدو أنه سيكون أبعد بالنسبة إلى الرئيس ترامب. ومعظم مقترحات «كوهين» ستكلف قدراً هائلاً من الأموال والأرواح، فهو يود رؤية قوات منتشرة في بولندا ودول البلطيق لردع أي اعتداءات روسية. ويتمنى رؤية حضور بحري وجوي لإحباط أي تهديد إيراني. وبأثر رجعي، تمنى لو تركت إدارة أوباما ما بين عشرة وعشرين ألف جندي في العراق، وإن لم يأت على ذكر حل لمشكلة التوفيق بين ذلك وبين رغبة الحكومة العراقية في فرض السيادة. وربما لن تكون مقترحات المؤلف عملية أو مرغوبة، وهو يدرك تماماً الحجج المعاصرة التي تساق ضد المصالح والكفاءة الأميركية، في شنّ الحروب، والتي يتناولها في الفصل الأول من كتابه. لكن هذه المقترحات هي رد على عالم يزداد خطراً، مع تعاظم القدرات النووية للدول. ولفهم «العصا الغليظة»، لا بد من إدراك أن المؤلف يتصور حدوث الأمور المزعجة كأن تُسقط باكستان قنبلة نووية على الهند، أو تضرب إسرائيل إيران بسلاح نووي، أو تشن واشنطن هجوماً نووياً على كوريا الشمالية، أو تهدد الصين بشن هجوم ضد الولايات المتحدة. وائل بدران الكتاب: العصا الغليظة.. حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية المؤلف: إليوت كوهين الناشر: بيزك بوكس تاريخ النشر: 2016