ماذا نتوقع من 2017؟ لم يكن التكهن بالمستقبل عملاً مريحاً أو واعداً، بل حافلاً بالمفاجآت المزلزلة. فقد توقع هتلر أن يصمد الرايخ الثالث لمدة ألف سنة، وتوقع «شهود يهوه» نهاية العالم في ثمانينيات القرن المنصرم، كما تنبأ الشاعر «فيلكس دان» في أحد أيام عام 1889 بالقيامة في اليوم التالي، وتحديداً عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، وانتظر الشيعة عبثاً خروج الأمام الثاني عشر المختفي في السرداب، وتوقع جورج أوريل وقوع العالم في قبضة ديكتاتورية مرعبة لا خلاص منها عام 1984، وأعلن الشيوعيون في روسيا نهاية جدل التاريخ وصراع الطبقات، وراهن فرانسيس فوكوياما على نهاية التاريخ عام 1991 مع نموذج الرأسمالية الأميركية كشاطئ رست عليه سفينة الإنسانية، أما نوستراداموس صاحب التكهنات المعروفة فتوقع لهنري الثامن حياة طويلة وملكاً سعيداً، وتنبأ المؤرخ البريطاني ويلز بتطوير السلاح النووي واستخدامه، وتوقع الاقتصادي البريطاني توماس روبرت مالتوس الذي كتب أطروحته في مشكلة السكان عام 1798، بحدوث مجاعة عالمية وحروب ضروس أمام تناقض التكاثر السكاني والتناقص الغذائي. لكن التاريخ أخبرنا بما ينقض هذه التنبؤات، فقد انهار الرايخ الألماني خلال 12 سنة فقط، ولم يأت المسيح كما توقع شهود يهوه، ولم يخرج الإمام من السرداب، وانهارت الشيوعية في أقل من جيلين، وتنهار الديكتاتوريات اليوم في العالم وتنتشر الديمقراطية، وتتحول الكرة الأرضية إلى قرية إلكترونية ونادٍ للنقاش الديمقراطي مع زحف الإنترنت. كما أن الملك هنري الثامن لم يعمر طويلاً ولم يعش سعيداً، كما توقع له الطبيب اليهودي الباريسي نستراداموس.. لم يفز بالرهان من كل هذه التنبؤات إلا البريطاني «ويلز»، وليس فوزاً كاملاً، فهو الوحيد الذي رأى الكارثة قبل سنة من وفاته عام 1946، أي التماع الموت فوق هيروشيما أو «هزيم الرعد الملتمع». أما في مسألة الغذاء التي وصل فيها مالتوس إلى حد التشاؤم مقترحاً الحل في المجاعات والحروب لإفناء البشر، وتعديل عددهم حتى يكفيهم الغذاء، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن سكان الأرض عام 1961 كانوا 3,1 مليار وحصدوا من الحبوب 877 مليون طن، من خلال استغلال مساحة زراعية بلغت 12,8 مليون كم مربع. وحسب تنبؤات مالتوس وحساباته لعام 2012، بعد مرور نصف قرن وتكاثر السكان إلى الرقم 7,1 مليار، فإن منظر الأرض يفترض أن يكون في غاية البؤس والتعاسة! لكن الذي حدث هو أن محصول الحبوب لهذا العام كان ثلاثة أضعاف رقمه الأول، فتم حصاد 2566 مليون طن من الحبوب، مع أن مساحة الأرض الصالحة للزراعة ارتفعت إلى 14 مليون كم مربع. والسر في ذلك يرجع إلى ذكاء الأجيال من البشر الذين أعقبوا مالتوس وطوروا من التقنيات ما رفعوا به مستوى الغذاء. وهكذا نجا الجنس البشري من من الحرب والمجاعة معاً. وهذا المصير سيكون بالتأكيد للتلوث وارتفاع حرارة الأرض، وفي كل مرة يقترب بها المنجل من رقبة الإنسان، يظهر البشر أنهم أذكياء بما فيه الكفاية للبقاء، فلم يخلق الجنس البشري سدى وعبثاً ولم يخلق الكون باطلاً. وهذا الفرق بين التنبؤ الأعمى رجماً بالغيب والتشاؤم من مستقبل الإنسان كما قالت الملائكة: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قال إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون». التاريخ يمشي بخطى تقدمية، فلا يأتي يوم إلا والجنس البشري يحقق اختراقاً جديداً مذهلاً في خط تقدمي صاعد، في مستوى التكنولوجيا والأفكار والسلام والغذاء والمؤسسات وترسيخ النظام الديمقراطي وبناء قرية بشرية ذات نسيج إلكتروني بديع.