الفكرة الشائعة هي أن انقضاء عام وحلول عام جديد يُمثل مفصلاً تاريخياً، لكن الأحداث لا تؤيد هذه الفكرة الشائعة بالمرة. فما هو إذن مغزى بداية عام 2017؟ على الرغم من أن اليوم هو الأربعاء 4 يناير، فليس هناك فرق بينه وبين الأربعاء الماضي الذي تفصله عنه سبعة أيام فقط، أي الأربعاء من العام الذي انتهى ليصبح تاريخاً. ومع ذلك فأجهزة الإعلام العربية والدولية، وكذلك رسائل التهنئة الشخصية، سواء على مستوى الأشخاص أو زعماء الدول.. كلها تُقنعنا أننا دخلنا عتبة جديدة، إن لم يكن تاريخاً جديداً بالفعل. إن لم تختلف أحداث مساء الأربعاء الماضي عن صباح اليوم، فأحوال سوريا مثلاً اختلفت منذ أسبوعين مع «سقوط حلب» أكثر بكثير مما حدث بين مساء 31 ديسمبر 2016 وصباح 1 يناير 2017، إلا أن بداية عام جديد أصبحت ممارسة معتادة شخصياً ووطنياً وعالمياً، لتقييم الماضي والتوجه نحو المستقبل. كلنا تقريباً يأخذ ما يسمى «قرارات رأس السنة الجديدة»، حتى أصبح هذا التقليد الشائع هو السؤال المتوقع عندما يُقابلك الأصدقاء مع بداية العام الجديد. قد تنجح قراراتنا الشخصية على مستوى معين، لكن على المستوى السياسي لا تزال أحوالنا ضحية قرار الخارج ومنذ زمن طويل. هذا العام في الحقيقة هو العام المئوي لإعلان بلفور، وزير الخارجية البريطاني الذي وعد الهيودَ، في عام 1917، بمنحهم فلسطين كي يأتوا إليها من بقاع الأرض ويتخذوها وطناً قومياً ويقوموا بإنشاء دولتهم على حساب أصحابها، أي السكان الفلسطينيين. ارتكبت بريطانيا جريمة قانونية وأخلاقية كبيرة، لأنها كانت منتدبة من قبل المجموعة الدولية لتهيئة الفلسطينيين لنيل الاستقلال وإدارة شؤونهم. لم يكن لها بالمرة أي حق في التصرف في مصير فلسطين، لأنها «أمانة» في يدها، تختلف عن علاقتها بلندن أو حتى أية مستعمرة من مستعمراتها. لذلك كان عبدالناصر موفقاً، عندما وصف وعد بلفور بأنه عطاء مَن لا يملك لمن لا يستحق. بقية القصة منذ إنشاء إسرائيل عام 1948 معروفة، من أول شعب لاجئ في المنطقة العربية منذ ما يقارب 70 عاماً إلى أربع حروب، وعشرات الغزوات، مثل غزو لبنان في عام 1982، وأول الحروب المتعددة مع «حماس». من أخطر هذه الحروب، والتي تحل في عام 2017 ذكراه الخمسين، هي حرب يونيو 1967، والتي يسميها الكثيرون حرب الأيام الست، إشارة إلى أنها كانت حرباً خاطفة. والحقيقة أن مصير هذه الحرب قد تم حسمه، ليس في ستة أيام، ولكن في ساعات قليلة فحسب، وذلك عندما قام الطيران الإسرائيلي بتدمير معظم الطيران العسكري لدول المواجهة العربية، خاصة مصر سوريا والأردن، وهو لا يزال رابضاً على الأرض، فأصبح كسيحاً تماماً وضمنت إسرائيل السيطرة على سماوات المنطقة، ما سمح لها بحسم المعركة مبكراً. حرب عام 1967 قبل خمسين عاماً، كانت حرباً خاطفة، لكنها كانت بعيدة المدى في نتائجها؛ خاصة مع قيام إسرائيل باحتلال أراضٍ عربية لتضاعف ما كانت تحتله من مساحات، ولتتمكن من الدخول والخروج كما يحلو لها في الأجواء العربية (خاصة أجواء دول المواجهة). بمعنى أن حرب 1967 كانت بداية استتباب السيطرة لإسرائيل كقوة عسكرية مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط. أهمية عام ينقضي وعام يبدأ ليس لأنه يشكل الأحداث بين ليلة وضحاها، فهذا لم يحدث بين 31 ديسمبر 2016 و1 يناير 2017.. بل العام الجديد هو عامل فصل تاريخي على الورق لتقييم الماضي واستخلاص عبره ودروسه، لكي يكون المستقبل أفضل أو على الأقل بغية عدم تكرار أخطاء الماضي.