المؤامرات التي تُحاك ضد الإسلام في شتى بقاع الأرض حقيقة لا جدال فيها وليست وهماً، ومن بين هذه المؤامرات توريط الإسلام بتنظيمات من المسلمين ونسخة من الإسلام صُممت في آخر 3 قرون لهدم العالم الإسلامي من الداخل من حيث تجريد الإسلام من رسالته العالمية والتركيز على شغل العقل المسلم بمفاهيم ومسائل وقضايا في عمومها تضارباً يضرب في عمق المفاهيم والأطر العامة التي تمثل جوهر الإسلام، ولم تعد على أثر تلك الحركات وبعض المشايخ رسالة الإسلام سوى مجموعة واسعة من آراء المتأخرين والمتقدمين وصولاً لما آل إليه الحال في العصر الحالي من حالة الضياع التي تعاني منها نسبة كبيرة من المسلمين اليوم، وعاد الدين الإسلامي غريباً كما بدأ بين صفوف نسبة لا يستهان بها من الشباب المسلم والمؤشر في هبوط مستمر وحتمي حتى أضحى الإسلام يشغل العالم بالممارسات السلبية، لا العكس، لبعض الأفراد والفئات والجماعات المنتسبة إليه، ولم يعد هناك الكثير للخوض فيه حيال هذا الهبوط التدريجي وغروب شمس الفكر الإسلامي على يد ممن خطفوا الدين من الديانة، وجعلوا الدين صناعة. فلماذا الإسلام في خطر؟ لا أكاد أجزم أن الخطر وصل لمرحلة متأخرة في جسم الدين الإسلامي، وهو أمر خُطط له بإتقان منقطع النظير، وجُند له الملايين من البشر، وبُذل له الغالي والرخيص لقرون طويلة حتى نالوا من الإسلام، وأثكلوه بأبنائه لينهشوا فيه من الداخل كما تنهش الضباع في الجثة الهامدة.. لا سيما أن هناك مخططات مؤكدة تديرها مراكز وجمعيات عالمية علنية وتنظيمات سرية تحرّك العالم بأسره يميناً وشمالاً، ودول كبرى وضعت ميزانيات ضخمة تعد بالمليارات للحد من انتشار الإسلام في أراضيها وفي العالم بصورة عامة، ولكن لماذا الدين الإسلامي بالتحديد؟ فهل هو أمر يتعلق بصناعة التاريخ والحضارات وبناء الإمبرياليات، أم هو صراع أبدي محتوم بين الشيطان وأتباعه من الذين يملكون المال والسلطة وبين بقية العالم؟ فكل ما يدور في العالم الإسلامي من دمار وخراب ليس مصادفة ولا مجال للصدفة والعشوائية فيه! وبدأت برمجة العقل المسلم منذ قرون طويلة مضت، ووصلت ذروتها في القرن الثامن عشر عندما غرّرت المخابرات الأجنبية بعقول مسلمة لم تكن حتى متخصصة في علوم الدين لبناء فكر إسلامي جديد ملوث وإبراز وتسليط الضوء على علماء مسلمين كانوا مثيري جدل ومزقوا وحدة الأمة، وقسّموها إلى سلف وخلف، وفرق ناجية، وفرق هالكة، ونجحوا في زرع فكرة أنهم وحدهم من يملكون الفهم غير المغلوط فيه والكامل للإسلام، وكانت ولا تزال شبه عملية مسح من الذاكرة لباقي العلماء المسلمين، والذين تُدرّس كتبهم على استحياء كمرجعيات فقهية وفكرية إسلامية مهمة، وبعضهم اتُّهم بالزندقة والخروج عن الملة أو التساهل في أحكام الدين وتمييعها، ولكن وحدهم من تم رفعهم لدرجة الإمامة العليا ومشيخة الدين على مر العصور مَن انتشر فكرهم مثل النار في الهشيم وأصبح أبرز مرجعيات الفقه الإسلامي. وإذا فكر الإنسان بالمنطق العقلي الرياضي، سيجد أن الأمر كله اتبع خطوات مدروسة للنيل من الإسلام، وإبعاد فكرة مفادها أن القرآن الكريم كتاب أُحكمت آياته ثم فصِّلت من لدن حكيم خبير ليفهمها الصغير قبل الكبير، والجاهل قبل المتعلم، هذا بالإضافة إلى ترسيخ الرهبانية وتسييس الفقه والتفسير، ولهذا لا بد من صحوة إسلامية لتصحيح المسار. ولا يمكن أن نتوقع مخرجات مختلفة والمنبع قد تسمم، وتحولت الأساطير والإسرائيليات والأطروحات والكتب المؤلفة إلى مرجعية ومدخل أو وسيط، بمعنى أن تجاوُزها يُعد جريمة كبرى وكفراً. ونتحدث عن التكفير ونحن نمارسه على أعلى المستويات. وأذكر هنا حوارات مع أحد الزملاء الذي خُيّل لي أنه معتدل وبعيد عن التعصب، وفجأة كشّر عن أنيابه واستخدم لغة تكفيرية، دون أن يشعر، وأخذ يشكك في عقيدتي، لأنني لم أوافق في رأي معين لمسلك فقهي معين، وسألته: هل أُنزل القرآن للبشرية كافة أم للخاصة من الناس؟ ومَن هذه الخاصة؟ هل تتمثل في فئة؟ ومَن هي هذه الفئة؟ وهل هي نخبة لن يفهم المسلمون دينهم إلا من خلالها؟ فالقرآن كتاب مقدس أُنزل ليفهمه أبسط الناس، ومن جميع الحضارات والشعوب كونه رحمةً للعالمين، ولم ينزل ليشقى الإنسان به بل ليقوم بفعل أبسط الأمور التي تدخله الجنة بقلب سليم ولا يرتكب الكبائر والمحرمات ويتوب من الذنوب، وإن لم يتبع مذهبك أو شيخك أو مذهب أو شيخ غيرك.