جرت العادة في نهاية كل عام أن يُسأل الكُتاب والمفكرون عن آرائهم في حصاد عام مضى وتوقعات عام مقبل فيصيبون حيناً ويخفقون حيناً آخر، وكانت هذه العملية تتسم أحياناً بنوع من الإملال والضجر عندما تكون ملامح العام المنصرم باهتة ومثلها مؤشرات العام التالي وأحياناً أخرى بالتعقد بسبب اختلاط الأحداث الكبرى في عام بين أحداث بالغة الإيجابية وأخرى على النقيض من ذلك، كما تغمض مؤشرات استشراف ما هو متوقُّع الحدوث في العام الذي يليه. ولا أذكر أن عاماً مر عليَّ من قبل بهذا الوضوح في خلاصاته الكبرى، أو عاماً مقبلاً بالوضوح نفسه في ما يوشك أن يقع فيه. فمنذ أحداث «الخروج البريطاني» في يونيو الماضي كان واضحاً أن ثمة قوى جديدة بدأت تحرك الأحداث في القارة الأوروبية، وأن هذه القوى قد اكتسبت زخماً في عدد من البلدان الأوروبية، وأن علينا أن نتوقع الجديد في أوروبا منذ حدث ذلك الخروج، غير أن الزخم أصبح هائلاً بعد زلزال فوز ترامب غير المتوقع بالرئاسة الأميركية بكل أفكاره الخارجة على مألوف «المؤسسة» الأميركية، وتلاحم الحدثان في نتيجة لم يتوقعها أحد، وهي أن العولمة التي ظلت آلة العزف الأميركية والرأسمالية عموماً تعزف نغمتها باعتبارها الجوهر الجديد الذي لا يُرد للنظام العالمي قد باتت موضع شك عظيم إن لم يكن انهياراً فعلياً، واتضح أن شعوباً أو قطاعات من هذه الشعوب تحمل نظرة سلبية لهذه العولمة باعتبارها مصدر ضياع فرص التشغيل ومنافستها من قبل شعوب أخرى غريبة عنها، ناهيك بأن عولمة الحراك البشري عبر الحدود السياسية باتت يُنظر إليها باعتبارها مصدراً لشرور الإرهاب، وبالتالي أصبح هذا الحراك سبباً لإحياء النعرات العنصرية. وقد بدأ عام 2017 منذ يومين لكن بدايته السياسية ستكون في العشرين من يناير عندما تبدأ ولاية ترامب الذي خرج على المألوف، إذ بدأ تطبيق أفكاره قبل توليه السلطة، فهو يعلن الحرب على سياسة (الصين الواحدة)، ويتوعد الأمم المتحدة بأنها لن تكون بعد العشرين من يناير على ما هي عليه الآن، ويحاول توجيه أوباما إلى ما يجب عليه أن يفعله بخصوص مشروع إدانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن وغير ذلك، وتتلاشى تدريجياً أوهام تراجعه عن أفكاره الكبرى شيئاً فشيئاً، وهكذا أصبح علينا أن نتحسب من الآن لنقل السفارة الأميركية إلى القدس ولتفاهمات أميركية - روسية بشأن محاربة الإرهاب وتسوية الصراعات المحتدمة في الوطن العربي ولمشكلات تواجهها إيران في ما يتعلق باتفاقها النووي، ولارتباكٍ في العلاقة الأميركية مع حلف «الناتو» وغير ذلك من القضايا. وبالطبع ستختلف درجة الحدة في التغيير من قضية لأخرى، لكن التغيير واقع لا محالة، وقد يفشل مشروع ترامب إذا سبب من الإرباك للسياسة الأميركية ما ليس لها قدرة على احتماله. لكن عام 2017 سيكون عام الإعصار بالتأكيد وبعده يمكن أن نحكم ما إذا كانت تداعيات الإعصار ستستمر أم أن الأمور ستتخذ منحى آخر، ومن العوامل التي يمكن أن تعرقل إعصار ترامب التناقض الداخلي لمشروعه فالتوقع أن يتبلور تفاهم حقيقي مع روسيا، لكن اتباعه سياسة تستعدي الصين سيسبب بالتأكيد ارتباكاً لروسيا، كما أن أفكاره المتطرفة في دعم إسرائيل والعداء للإسلام سوف تقيد دولاً عربية وإسلامية كثيرة في التعامل معه وأفكاره الخاصة ببناء الأسوار ستستعدى عليه عديداً من البلدان اللاتينية وأفكاره عن الاتفاق النووي الإيراني سوف تهدّئ من الهواجس العربية والخليجية لكنها سوف تربك علاقته مع شركاء الاتفاق وهكذا. لكن انطلاق مشروع ترامب قد يعطي زخماً هائلاً للمشروع اليميني في أوروبا التي تشهد عام الإعصار بانتخابات تحدد القيادات في ثلاثة بلدان رئيسية فيها على الأقل هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولو كسب اليمين الأوروبي هذه الجولات لأصبح عام 2017 هو عام ترامب، وفي أعاصير الطبيعة يجلو السكان من الأماكن المعرضة للخطر، ولكن في الأعاصير السياسية ستصيب التداعيات الجميع شاؤوا أم أبوا، ولذلك لا مناص من الدراسة المتأنية، والاستعداد الكامل للإعصار، فهل تتقدم قيادة عربية للاضطلاع بأعباء هذه المهمة؟