لعل أصعب ما اجترحته وسائل التواصل الاجتماعي هي نشرها للأفكار.. أية أفكار سواء كانت أفكاراً عميقة تستحق الاعتناء، أو أفكاراً مجهولة الأصل لكن وجدت لها أصواتاً تتبناها وتدافعُ عنها رغم أنها سرعان ما تذوب في موجة تدافع الأفكار الأكثر حداثة. وأزعم أن دافع الهرب في اتجاه وسائل التواصل بدأ يظهر، لكن هناك من يحاول الاحتفاظ بأصالة الأفكار الموجودة، وهو دافع مُلح ويجب تعزيزه. ففجأه يظهر شخص تكاد سيرته الذاتية تخلو من أي إنجاز يُذكر، وهو يتحدث عن جذور اللغة العربية، ويدافع بغير علم جلي عن أفكاره التي لا تستند إلى قاعدة صلبة تؤكد صحة أفكاره. وتوغل هذا الشخص في مهاترات مع آخرين لدرجة، أن من يشاهدون مداخلاته بدأوا يبحثون عن مضامين أخرى يخوض فيها مع الخائضين. ما ذنب المتابع في كل هذه الأفكار الساذجة الباحثة عن الشهرة، الهدف الحقيقي هنا هو فقط البحث لمعان وبريق حتى لو كان زائفاً أو مؤقتاً. ولا يمكن بأي حال أن يكون هذا السبب مبرراً لانتشار هذا الغش وفي التبرير لتداول أفكار ثرية تنطفئ عند أول هبة ريح لأن زيتها لا يضئ بلا أكاذيب. ويمكن هنا القياس حتى على أصحاب المتابعات كبيرة العدد على وسائل التواصل الاجتماعي، فليس كل أصحاب هذا العدد من المتابعين يعني أن جميعهم يستحق الثناء أو حتى تمضية الوقت من أجل قراءة الهراء الذي يعرضه، ناهيك عن كمية التفاعل و«التبجيل» الذي يمارسونه تجاه بعض الساسة العامة، كبث محتويات تدفع باتجاه استنتاجات معنية. والسؤال هنا: ماذا استفاد المتابع من قبل هذه الأفكار، وماذا أضافت هذه المحتويات على شبكات التواصل للناس، خاصة وأنها تتطرق لأمور قد لا تفيدهم. والشيء المثير للدهشة أن هناك بعض المؤسسات تتحرك وفقاً لتغريدات مغردين، مستندة إلى قدرتهم على الحشد الاجتماعي، والسؤال أليس هناك وسائل أخرى، وقنوات رأي، تستطيع القيام بمهمة وسائل التواصل؟ هذه الوسائل تحتوي أيضاً على منصات تروج إما لأفكار وإلحاد، أو الكفر والغلو التي تسير وفق خط واحد متواز وغير قابل للتراجع. ويبدو أنه ليس ثمة حل أو مخرج من مأزق الأفكار الطائشة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تدور كمهب ريح يقتلع كل شيء أمامها، إلا من خلال صناعة قناعات وثقافة ووعي بحقيقة ما يتم تداوله، فلاشيء يمكن أن يصد مثل هذا الطوفان إلا الوعي والثبات حول موقف يتمثل في أن الأمور ليس «عبدة» للأفكار مهما كان مروجوها. وصناعة هذه القناعات ليست حاجة فردية فقط بل جماعية وضرورية جداً لبناء حواجز تقي الناس من هذا الجنون والهوس بكل ما هو مثير للجدل وللاشيء. أماني محمد العمران* *كاتبة إماراتية